ليس ثمة أدنى شك بأن رئيس حكومة العراق الحالي حيدر العبادي الذي توارث أطنان المشاكل من حكومة الفاشل نوري المالكي، قد وصل لطريق مسدود بعد أن عبر عن أقصى متبنيات ودرجات الفشل السلطوي! وإن ذلك الفشل الرهيب الذي تلخص في إفلاس الدولة العراقية واستنزافها بالكامل له متطلبات ومتعلقات ونتائج واجبة الدفع! وأولها التنحي وفسح الطريق لقيادة بديلة قد تستطيع ترقيع الأوضاع وليس إصلاحها! فتلك مهمة مستحيلة على مايبدو!؟
لقد بدأ الصراع المحموم حول قمة السلطة في العراق يأخذ أبعادا مكشوفة وواضحة وصريحة في دلالاتها ومعانيها، وهو صراع ترتبط محاوره الأساسية بمنظومة التحالفات الخارجية للنظام السياسي العراقي، الذي يرتبط بمحاور عمل ومصالح وثيقة للغاية مع الجانبين الإيراني و الأمريكي على وجه التحديد، فإيران والولايات المتحدة هما اللاعبان الأكبر في الساحة العراقية، ومن خلال إرادتهما يتقرر الكثير من المواقف، ويفرض أيضا الكثير من المتغيرات، هذه الحقيقة كانت واضحة من خلال المشاورات غير المعلنة لاختيار رئيس جديد للحكومة العراقية، قد يستطيع تحريك الراكد وتفعيل الساكن، وتغيير الأمور نحو نهايات مفتوحة، وربما انفراجية بعد أن فشل العبادي في القيام بمهمته، وهو فشل لا يتحمل وحده مسؤوليته، بل إنه يكمن في مركبات الخلل الكبير في العملية السياسية الكسيحة التي وصلت لطريق مسدود، وأضحت عبئا على أصحابها وبما يفرض وضع ورسم خارطة طريق جديدة لإصلاح سياسي عراقي داخلي طال انتظاره دون جدوى!
ولعل أبرز المتغيرات الراهنة و المحيرة تتمثل في الموقف الأمريكي من الصراع العسكري المحتدم، ومن مشاركة قوات الحشد الشعبي في المعارك في مدن العراق الشمالية والغربية، مما أضفى على المشهد العراقي سيناريوهات انتقام طائفي بشعة، دفع بالحليف الأمريكي للتدخل وطرد قوات الحشد الشعبي وقيادتها مرتبطة مباشرة بقيادة الحرس الثوري الإيراني من خلال الرموز المعروفة هادي العامري وقيس الخزعلي و أبو مهدي المهندس وغيرهم! من المعسكرات والمواقع التي هيمنوا عليها!!؟ وهو ما طرح سيناريوهات عديدة لن نفصل في شرح تفاصيلها ومنحنياتها وتأثيراتها المباشرة على الأوضاع العراقية، وثمة أحاديث تتوالى عن ترشيح التحالف الوطني الحاكم لثلة من الشخصيات لتكون البديل الجاهز لرئيس الحكومة المتعثر والمتعسر في ولايته حيدر العبادي! ويتصدرهم مستشار الأمن الوطني وأحد أبرز قياديي الحشد الشعبي فالح الفياض، إضافة لوزير الخارجية الحالي إبراهيم الجعفري الذي له مع منصب رئيس الحكومة ذكريات مريرة خلال أعوام 2005/2006 وحيث اندلعت في عهده وقتذاك شرارة الفتنة الطائفية الرهيبة، وفشله الواضح في إدارة عجلة الدولة مما دفع برئيس الحكومة السابق نوري المالكي للبروز والصعود وتدشين دولة الكوارث العراقية! المهم أن ترشيح فالح الفياض الغامض نسبيا والقليل الكلام وغير المعروف جماهيريا، يعبر عن أزمة سلطوية بلغت درجة من الخطورة وبما يهدد حالة السلم الأهلي في العراق الذي أضحى على كف عفريت!
ولكن في الحصيلة النهائية، فإن الفياض هو من نفس نوعية وانتماء رؤساء الحكومات العراقية السابقين! فهو أحد أعضاء حزب الدعوة الطائفي، كما أنه يشغل مسؤوليات أمنية لم ينجح فيها أبدا وسيلازمه الفشل حتما، لكون آلية الفشل مرتبطة جذريا بذلك الحزب الذي مات وشبع موتا، لولا الاحتلال الأمريكي الذي نفخ في شرايينه المتصلبة دماء الحياة من جديد!
المعضلة العراقية لا تعالج بالحلول الترقيعية، بل عبر مقاربات تغيير حذرية تقفز على أسوار التخندق الطائفي والصراعات الدموية العبثية، وتحاسب الفاسدين والمفسدين وتعيد هيبة الدولة المسروقة، التي دمرتها المليشيات المنفلتة الخاضعة لإرادة الأحزاب والشخصيات الحاكمة!
في العراق نيران تغلي تحت الرمال وتهدد بتحويل البلد لشظايا متناثرة، وحده التغيير الهادف لبسط سلطة الدولة وضبط السلاح ولجم المليشيات وتفعيل حالة النمو الإقتصادي، كفيلة بأن تغير الموقف العراقي المتدهور، فالشخصيات السياسية العراقية بمجملها باتت كسيحة وعاجزة، ولا تمتلك عصا تغيير سحرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إلا بعد التغيير الشامل، وهي مهمة صعبة جدا ولكن ليست مستحيلة، إن صدقت النوايا وقرر الحليف الأمريكي ذلك ؟!