ملفات وتقارير

رحلة سائقي الشاحنات من حلب إلى الموصل تحت القصف الروسي

يستهدف الطيران الروسي الشاحنات القادمة من تركيا - الأناضول (أرشيفية)
يستهدف الطيران الروسي الشاحنات القادمة من تركيا - الأناضول (أرشيفية)
رغم برودة الجو، وحاجته الملحة للدفء، لا يستطيع سائق الشاحنة السوري حسن مصطفى (42 عاما) إغلاق نافذة الشاحنة، فهي بمنزلة جرس الإنذار المبكر له، وفي حال إغلاقها لن يستطيع  سماع هدير الطائرات الحربية، التي تضع نصب عينيها غالبا  استهداف الشاحنات، على اعتبار أن استهدافها هو قطع لدابر "الإرهاب".

فور سماعه هدير طائرة في أثناء قيادته للشاحنة، طيلة الرحلة الطويلة، التي تبدأ من معبر باب السلامة الحدودي على الحدود التركية في أقصى الشمال السوري، إلى مدينة الموصل في الغرب العراقي، يركن شاحنته على حافة الطريق، ويحاول بأقصى ما يستطيع الابتعاد عن الشاحنة للنجاة بحياته، وينتظر إلى حين التأكد من ذهاب الطائرة حتى يعاود سيره من جديد.

"في أثناء قيادة الشاحنة تبقى عيناي تترقبان وجوه العابرين، وينتابني الهلع إن رأيت أحدهم يحدق عاليا؛ لأن النظر إلى الأعلى يعني أن طائرة محملة بالصواريخ المميتة تحوم فوق رأسي، عدا عن ذلك أصغي إلى أي صوت يأتي عبر النافذة"، يقول مصطفى لـ"عربي21".

ويضيف: "معروف عن السائقين أنهم كثيرا ما يستمعون إلى الراديو حتى يطردوا عن أنفسهم الضجر الذي يصاحبهم، وخصوصا إن كانت الرحلة طويلة، لكن هذا كان في الماضي، اليوم لا نعاني نحن من الضجر؛ لأن حضور الخوف كفيل بطرد كل شيء"، على حد قوله.

تستغرق رحلة مصطفى حوالي أسبوعين من الزمن، ويتقاضى لقاء كل رحلة يقوم بها، من الشركة المالكة للشاحنة، مبلغا لا يتجاوز الـ150 دولارا أمريكيا، لكنه مع ذلك يحاول جاهدا أن يحظى برحلتين شهريا، فهو بذلك يستطيع تأمين نفقات أسرته، ولا يحتاج  لمد اليد إلى أحد، "لا لمنظمات إغاثية ولا لغيرها"، كما يقول.

ويعتبر معبر باب السلامة الحدودي الشريان الوحيد الذي يغذي كل من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في مدينة حلب، ومناطق سيطرة تنظيم الدولة في سوريا وصولا إلى الأراضي العراقية؛ بالبضائع، وتشكل المواد الغذائية بالإضافة إلى الإسمنت، أكثر المواد التي يتم إدخالها إلى الأراضي السورية.

وبدأت أولى فصول حكاية استهداف الشاحنات المحملة بالبضائع من قبل الطائرات الحربية في سوريا، مع اندلاع الصراع المسلح بين الثوار والنظام بوتيرة منخفضة في بداية الأمر، لكن ما لبثت أن سجلت هذه الظاهرة تناميا ملحوظا مع دخول روسيا على خط الصراع العسكري بشكل مباشر، ما حدّ من حركة عبور الشاحنات، وخصوصا في ريف حلب الشمالي، حيث لا تكاد الطائرات الروسية تفارق الأجواء.

واعتبر الناشط الإعلامي حسين ناصر أن الفترة التي تلت حادثة إسقاط  تركيا للمقاتلة الروسية في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ الفترة الأكثر استهدافا للشاحنات من قبل المقاتلات الروسية، مشيرا، خلال حديث لـ"عربي21"، إلى أن "روسيا تحاول  الانتقام من تركيا، عبر ضرب هذه الشاحنات المحملة بالبضائع التركية إلى الداخل السوري".

وأردف الناشط في حلب وريفها بالقول: "بعض الشخصيات المحسوبة على النظام السوري، مثل رئيس غرفة صناعة حلب فراس الشهابي، دعا صراحة إلى ضرب هذه الشاحنات، على اعتبار أن حركتها التجارية مضرة بالاقتصاد السوري، والروس لا زالوا يصرون على معاقبة تركيا على حساب دماء الشعب السوري"، كما يقول الناشط.

وبحسب ناصر، فإن المقاتلات الروسية تتقصد استهداف تجمع هذه الشاحنات على الحواجز العسكرية، لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، مؤكدا ارتكاب المقاتلات الروسية مجزرة قبل حوالي أسبوع من الآن راح ضحيتها أربعة أفراد من أسرة واحدة، كانوا يقفون بجانب شاحنة مركونة إلى جانب الحاجز العسكري في قرية "أحرص"، الذي يفصل مناطق الثوار عن مناطق تنظيم الدولة في ريف حلب الشمالي.

وبسبب هذا الاستهداف، ذكر ربيع وهو عامل في القسم التجاري في معبر باب السلامة الحدودي، أن عدد الشاحنات المحملة بالبضائع التركية من الجانب التركي للمعبر لا يتجاوز الـ50 شاحنة يوميا، وهذا الرقم منخفض بالقياس إلى العدد السابق الذي كان يفوق الـ250 شاحنة يوميا، بحسب قوله لـ"عربي21".
التعليقات (0)