صحافة دولية

الغارديان: صورة شخصية لمختار بلمختار

الغارديان: هجوم واغادوغو يؤكد أهمية شبكة الاتصالات التي بناها بلمختار خلال السنوات الماضية - أرشيفية
الغارديان: هجوم واغادوغو يؤكد أهمية شبكة الاتصالات التي بناها بلمختار خلال السنوات الماضية - أرشيفية
كتب جيسون بيرك عن الهجوم الذي نفذه تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو الأسبوع الماضي، حيث قال إن هذا الهجوم يعد آخر عملية ترتبط باسم مختار بلمختار "زعيم المتطرفين الإسلاميين في أفريقيا الذي يتقن الهرب".

ويقول بيرك في تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية: "في يوم الجمعة، وفي الساعة الثامنة والنصف مساء، وصل قائد الوحدة الخاصة لمكافحة الإرهاب في بوركينا فاسو إدوارد سامودا إلى شارع كوامي نكروما، وسط واغادوغو عاصمة هذه الدولة في غرب أفريقيا، واكتشف حالا أن هناك حلا واحدا فقط".

ويضيف الكاتب: "امتلأ الجو بالرصاص والدخان، واشتعلت النيران في مقهى كان يفضله الأجانب. وقبل ذلك بساعة قتل العشرات عندما فتح مسلحون نيران رشاشاتهم على شرفة مزدحمة بالناس، وتحركوا إلى غرفة الطعام، حيث قاموا وببرودة أعصاب بتعبئة مخازنهم من جديد، وأجهزوا على الناجين".

ويتابع بيرك قائلا: "الآن احتجز القتلة عددا غير معلوم من نزلاء فندق سبلنديد، وتدرب سامودا على كيفية الاتصال بالخاطفين، ولكن المذبحة جعلت من الاتصال مع المسلحين أمرا لا قيمة له".

وينقل التقرير عن سامودا قوله: "الموت لم يكن بالنسبة لهم مشكلة"، مشيرا إلى أنه بعد أربع ساعات تم حشر ثلاثة من المهاجمين في مطعم قريب، وقتلوا عندما حاولوا تشغيل مركبة مصفحة، وقال المسؤولون الفرنسيون إن ثلاثة من المهاجمين نجحوا بالهروب.

ويعلق بيرك بأن "هناك قلة تشك في تورط شخص معروف في العملية، التي خلفت وراءها 30 شخصا من عدة جنسيات، ألا وهو مختار بلمختار، القائد سيئ السمعة للمتطرفين الإسلاميين في أفريقيا".

وتبين الصحيفة أن "بلمختار ذا الوجه الأشج معروف لدى الوكالات الأمنية منذ عقود، ولكن سيرة حياة الرجل الأعور (43 عاما) والمتسمة بالعنف تمتد على مراحل تطور التطرف الإسلامي المعاصر. فمختار ابن صاحب بقالة في بلدة من وسط الجزائر، تقع على حافة الصحراء، سافر إلى أفغانستان في بداية التسعينيات من القرن الماضي، ووصل إلى هناك متأخرا كي يشارك في قتال قوات الاتحاد السوفييتي السابق، وجاء إلى هناك في وقت كان فيه المحاربون السابقون في الحرب الأفغانية يوجهون نظرهم نحو بلادهم التي جاؤوا منها".

ويستدرك التقرير بأن "بلمختار شارك في بداية التسعينيات من القرن العشرين في صفوف (الجماعة الإسلامية المسلحة)، التي كانت رأس الحربة في التمرد الوحشي الذي شهدته الجزائر، وقام بعد ذلك بالمساعدة في إنشاء "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، واتصل أيضا مع أسامة بن لادن، الذي كان مقيما في ذلك الوقت في أفغانستان، والذي أنشأ تنظيم القاعدة، ودعا الشباب إلى الانضمام إلى حملته الإرهابية العالمية". 

ويلفت الكاتب إلى أنه بحلول عام 2003، انتقل بلمختار إلى شمال مالي، حيث تحرك بسهولة بين الحدود المفتوحة وكثبان الرمال العظيمة والجبال الوعرة والمنحدرات في الصحراء الكبرى، ومنح الزواج من نساء محليات بلمختار القدرة على بناء علاقات مع شبكات التهريب التي أدارها. مستدركا بأن اللقب الذي عادة ما يرتبط به "رجل المالبورو"، واستخدمه الصحافيون لوصف دوره في تهريب السجائر، ربما لم يكن صحيحا.

وتنقل الصحيفة عن الصحافي الفرنسي والخبير بالمنطقة ولد سالم لامين، قوله: "اتهامات تهريب السجائر لا أساس لها، والهدف منها الدعاية فقط". وأضاف أن "بلمختار رجل ملتزم ومتشدد، وحرق شاحنات محملة بالسجائر؛ لأنه يعتقد بحرمة التدخين. وكان من المربح له تهريب قطع الغيار والبترول والحبوب، وقد كون ماله من ذلك".

ويورد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أن عارفين سابقين به يصفونه بأنه رجل قاس، ولكنه قائد كاريزماتي يصحو قبل المقاتلين، ويأكل مثلما يأكلون، ويشاركهم في شؤونهم اليومية. ويقول لامين إن هذا النظام الصارم "أدى إلى ثقة الناس المحليين به، أكثر من ثقتهم بالشرطة المحلية أو رجال الجمارك أو أي فرد في الدولة".

ويذكر بيرك أنه عندما أعلن أيمن الظواهري عام 2006، عندما كان في حينه نائبا لأسامة بن لادن، عن تشكيل فرع تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا، أسرع بملختار بالإعلان عن وقوف مجموعته مع مشروع الظواهري. ولكن أحلامه بقيادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تبددت، وأدت إلى زرع بذور الخلاف داخل الجهاديين، وهو ما قاد إلى انسحابه من التنظيم في عام 2012.

وتذهب الصحيفة إلى أنه مع انهيار نظام معمر القذافي، وانزلاق ليبيا نحو الفوضى، كان بلمختار في موقع جيد للاستفادة من تدفق الأسلحة والمقاتلين من هناك، وقام بتجنيد وتسليح المئات، وربح أموالا كثيرة من الاختطاف.

ويفيد التقرير بأنه عندما سيطر المتشددون الإسلاميون على مدينة تمبكتو في عام 2012، بعد حالة عدم الاستقرار التي دخلتها مالي، والانتفاضة التي قام بها أبناء الطوارق، شوهد بلمختار معهم، وكشفت تقارير عن وجوده أثناء القتال في مدينة غاو في شرق البلاد.

وبحسب الكاتب، فإنه عندما وصلت القوات الفرنسية للمساعدة في إعادة النظام، انسحب بلمختار، الذي وصف بـ"البعيد المنال" وبأنه "لا شبيه له"، بعد سلسلة من التقارير التي تحدثت عن مقتله، إلى الشمال، وشن هجوما على مصفاة الغاز في جنوب الجزائر، حيث قتل في الهجوم 39 عاملا أجنبيا و29 من المهاجمين. وبعدها اختفى، حيث انتشرت إشاعات عن وجوده في ليبيا، حيث نجا بأعجوبة من غارة أمريكية، وبعدها قيل إنه عاد إلى جنوب الجزائر، ومن ثم مالي.

وتشير الصحيفة إلى أنه في تشرين الثاني/نوفمبر، نفذ مسلحون هجوما على فندق في العاصمة المالية باماكو، يفضله الأجانب، زعم البعض أن جماعة بلمختار "المرابطون"، كما تعرف اليوم، هي التي نفذته. وأخيرا جاء هجوم بوركينا فاسو الأسبوع الماضي، حيث أعلن المهاجمون أنه انتقام من "الصليبيين الفرنسيين".

ويعلق بيرك بأن "هجوم واغادوغو، وإن أشار إلى الرقعة الجغرافية الواسعة التي يعمل منها بملختار، إلا أنه يؤكد أهمية شبكة الاتصالات التي بناها خلال السنوات الماضية؛ فمع أنهم لا يسيطرون على مناطق واسعة، كما في السابق، لكن من الواضح أنهم يحتفظون بدعم واسع في المدن والبلدات، يمنحهم الفرصة للقيام بهجمات منسقة. ويعتقد الخبراء أن هجوم الأسبوع الماضي ربما اعتمد على من هم خارج كادر التنظيم".

وينقل التقرير عن الخبيرة في الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فيرجينيا كومولي، قولها: "من المحتمل أن يكونوا قد استخدموا شبكات الجريمة والصلات القبلية، فحلقة الصلة بين الإرهاب والجريمة عادة ما تكون قبيلة".

وتقول الصحيفة إن المهاجمين يبدون حذرين في اختيار الدعم من جهات معينة، ففي باماكو جاء القتلة من مالي، وفي هجوم واغادوغو كان ثلاثة من المهاجمين من العرب ورجل من الطوارق، وآخر من قبيلة الفولاني التي تعيش في معظم منطقة الساحل.

ويقول لامين: "يأمل بلمختار بإظهار تشكيل جماعته المحلي، وليس من الجزائريين أو المصريين أو الليبيين، أو أي جماعات أخرى. وهو يحاول اجتذاب تلك الجماعات التي تعتقد أنها مهمشة"، بحسب التقرير.

ويذكر الكاتب أن العمليات كلها التي أعلنت مجموعة "المرابطون" مسؤوليتها عنها، نفذها شبان في نهاية أو بداية العشرين من أعمارهم، ومعظم أبناء المنطقة من الشباب. ويقول المحللون إن جزءا من السبب في زيادة العمليات هو التنافس بين تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، الذي بدأ ببناء قاعدة دعم له في شمال أفريقيا.

وتختم "الغاردبان" تقريرها بالإشارة إلى أنه رغم إعلان جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا الولاء لتنظيم الدولة، إلا أن منطقة الساحل لا تزال بعيدة عن تأثيراته. ويعلق لامين قائلا إن "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بحاجة إلى بلمختار، والعكس صحيح".
التعليقات (0)