حين كتب شلومو رايخ في كتاب بعنوان يوميات يهودي ساخط: إن حاصل جمع انتصارات إسرائيل هو هزيمة كبرى، لم يكن المشهد العربي على ما هو عليه الآن، فإسرائيل بانتصاراتها العسكرية لم تحقق أي اطمئنان حول المستقبل ولم تنفع حتى معاهدات السلام في تحقيق هذا الاطمئنان، لهذا فهي تخشى المستقبل وترى فيه كمينا تاريخيا لا فكاك منه.
لكن سنوات الخريف العربي التي ترجمت إلى ربيع إسرائيلي قلبت بضع معادلات، وأعادت ترتيب الأولويات والأجندات، وما أعنيه بالانتصار الإسرائيلي الوحيد الذي يمكن أن يتحقق ويغير من معادلة رايخ، هو انصراف العرب من عدو وجودي وتاريخي، والتعامي إضافة إلى حشو الآذان بالطين والعجين إزاء ما يجري في فلسطين المحتلة وإن كان بلغ ذروته في القدس التي يجري تهويدها على قدم وساق وفي سباق ماراثوني تحاول إسرائيل أن تفوز به قبل أن تضع حروب الإخوة الأعداء أوزارها، فكل خريف عربي هو ربيع لها ولعلها تشعر الآن بأن من كانوا أعداءها ذات عروبة ينوبون الآن عنها في ذبح بعضهم وتدمير عواصمهم التي لم تعد تعصم أحدا منهم!.
لقد كان الرهان الصهيوني منذ بدء هذه الدراما يتركز على أمرين أولهما شيخوخة وانقراض الجيل الفلسطيني الذي يتذكر، وثانيهما قطع الأواصر بين جيل جديد ولد في المنافي وبين مسقط رؤوس آبائهم!.
أما الآن فقد أضيف رهان ثالث هو استغراق العرب في الاقتتال واستبدال أعدائهم ببعضهم البعض، وهذا ما يفسر الصمت واللامبالاة إزاء ما يجري على مدار الساعة في الأرض المحتلة.
إن لحظة انصراف العرب عما سميّ ذات ربيع قومي القضية المركزية هي لحظة انتصار إسرائيل بمقياس تاريخي وسياسي وحضاري وليس بمقياس عسكري، فهي تدرك أن حربها ليست مع جيوش بقدر ما هي مع مشروع قومي وحضاري وثقافي.
وحين يصبح هذا الثالوث أشبه بمثلث برمودا الذي يبتلع كل ما يقترب منه، يتحقق لها النصر المنشود!!.