مسارات الصراع السياسي والطائفي في العراق أضحت تسير بشكل واضح نحو نهايات مفتوحة لصراع طائفي دموي طويل ومكلف، ويطلق إشعاعاته الضارة على دول الجوار وعلى السلام الأهلي لدول المنطقة وشعوبها.
لقد بلغت الوحشية والهمجية في الصراع الداخلي العراقي مبلغا غير مسبوق في ظل انهيار الدولة، وضعف السلطة السياسية، واهتراء العملية السياسية الكسيحة التي وصلت لأوضاع يرثى لها، فلا يكاد يمر يوم دون أن تحدث في العراق كارثة إنسانية مريعة، من حوادث خطف واغتيال، وأفعال إرهابية مريعة تجسدت صورها البشعة عبر ما حدث ويحدث حاليا في محافظة ديالى المتوترة طائفيا، حيث ارتكبت الميليشيات الطائفية ذات المرجعية الإيرانية والمرتبطة بقيادة الحرس الثوري الإيراني مجازر مروعة على الهوية الطائفية في قضاء المقدادية الذي تم عزله بالكامل عن وسائل الإعلام، لتعيث الميليشيات فسادا وقتلا رهيبا وغير مسبوق في تاريخ العراق المعاصر، ومع سبق الإصرار والترصد والنوايا المبيتة، ولتتسرب الصور الأولى للأهوال التي جرت هناك عبر فيديوهات قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث، وهو ما يذكرنا بأبشع صفحات الحرب الأهلية اللبنانية في سبعينيات القرن الماضي التي أضحت رغم فجائعها الإنسانية مجرد بروفة مقارنة بأهوال وفجائع الحرب الأهلية الطائفية العراقية. فمن يقود الوضع الأمني ويحدد مسارات وطرق التحرك الحكومي العراقي؟
هي الميليشيات الطائفية التي لا يمكن وصفها بالسائبة أو المنفلتة عن السيطرة! لكون قياداتها متغلغلة في الدولة العراقية وفي أجهزتها الأمنية والاستخبارية! وهي قادرة على لي ذراع أكبر رأس في السلطة وتطويعه، وهو ما يفسر سر الصمت الحكومي وعدم قدرة حيدر العبادي على الدخول لقضاء المقدادية رغم أنه نظريا القائد العام للقوات المسلحة!
بينما تمكن ميليشياوي وبرلماني من طراز "حاكم الزاملي" المتهم السابق بالإرهاب من الدخول للقضاء والحديث مع قادة عصابات القتل بصفته رئيس لجنة الأمن في البرلمان العراقي! لقد أهينت المؤسسة العسكرية العراقية إهانة جمة من خلال تهميشها وحشوها بالقيادات المزيفة والجاهلة التي لا علاقة لها أبدا بالعسكرية أو تقاليدها أو روحها الوطنية الجامعة المانعة. وسيادة التوحش والهمجية والبربرية مع انحسار هيبة الدولة وخضوعها لمنطق أهل النوايا والعقليات الانتقامية حول العراق إلى مسرح كبير للعبث الدموي الأسود، فاتحا المجال لخيارات تقسيمية صعبة أضحى طريقها واضحا للعيان ضمن مسلسل التدمير الذاتي للشرق العربي والذي قطع في العراق شوطا كبيرا وموغلا في المأساوية والبربرية.
لقد أضحت الحاجة أكثر من ماسة لفرض إجراءات حماية دولية للشعب العراقي من ممارسات العصابات التي تعيث في الأرض فسادا، وأضحى التدويل خيارا لا محيص عنه من أجل الخروج من عنق الزجاجة وعدم السماح بانفلات الأوضاع وتوسع آفاق الصراع لمؤديات إقليمية خطرة!، العراق والمنطقة يقفان على كف عفريت في مواجهة خيارات صعبة ومستقبل أسود، وأوضاع كارثية زادها سوءا ضعف الطبقة السياسية الكالحة التي فشلت فشلا ذريعا في إدارة أوراق الصراع بطريقة مسؤولة ووطنية، وتحولت لتكون غطاء رثا لممارسات وعصابات إرهابية هي في النهاية جزء مركزي من تركيبة الحكومة العراقية ذاتها المشتملة على بذور فنائها واضمحلالها.
لقد أفرزت الأزمة القائمة واقعا مؤلما يتمثل في حالة التيه والضياع الكاملة التي يعيشها الجيل الراهن في العراق وهو يبدع في اجترار المأساة، وفي الإيغال في الوحشية والهمجية، وفي سلوك طريق العنف المؤدي لهلاك المجتمعات والشعوب! بل إن المأساة -جل المأساة- تتمثل في وقوف عدد من سياسيي العراق بين شامت ومتفرج وغير مبالٍ! وكأن من تُحز رؤوسهم في المقدادية على الهوية الطائفية هم غزاة للعراق وليسوا أهل العراق!.
لقد حانت لحظة الحقيقة في العراق، وكرنفالات الرؤوس المقطوعة إعلان واضح عن فشل العملية السياسية الكسيحة أصلا ووصولها لطريق مسدود، وبات التماس الحماية الدولية للعراقيين هو الحل الأنجع لمصالح الجميع حتى تتبلور قيادة عراقية وطنية مسؤولة تستطيع قيادة البلد لبر الأمان، وهو احتمال صعب للغاية في ضوء ما يجري من أهوال روعت الشرق بأسره.
عن صحيفة الشرق القطرية