"أنا لم أعد طفلا".. هكذا حاول أحمد (13 عاما) تبرير انخراطه بالعمل ووجوده خارج المنزل طوال الوقت، بعيدا عن المدرسة، وذلك عندما توجهت إليه "عربي21" بالسؤال: "لماذا تعمل وأنت لا زلت طفلا؟".
ويضيف أحمد: "الأهالي لا يسمحون للطفل بالخروج من المنزل، وأنا أقضي يومي كله خارج المنزل في
العمل".
لكنه ضحك عند سؤاله عن تفضيله البقاء في صالون الحلاقة الذي يعمل فيه في شارع قريب من الجامعة في مدينة عنتاب التركية، أم الذهاب إلى حديقة الألعاب والمدرسة، وقال: "لا أستطيع الذهاب إلى المدرسة، لأني تركتها منذ أكثر من ثلاث سنوات، لقد نسيت كل شيء، لكن أفضل الذهاب إلى الحديقة واللعب مع رفاقي".
يتقاضى أحمد أجرا شهريا زهيدا لا يتجاوز 200 ليرة تركية (65 دولار)، مقابل كنسه الشعر المتناثر حول كرسي الحلاقة، وجلبه أكواب الشاي من المقهى القريبة من صالون الحلاقة للزبائن الراغبين في احتساء الشاي، لكنه في الوقت ذاته لا يعير اهتماما لكون مرتبه قليلا، فهو "يتعلم صنعة تدر له المال فيما بعد"، كما يقول.
مثل أحمد يعمل الطفل السوري عبد الستار، الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره بعد، في محل لبيع الألبسة الجاهزة في السوق القديم في غازي عنتاب، حيث يقتصر عمله على الترجمة للزبائن السوريين الذين لا يتقنون اللغة التركية.
يبادر عبد الستار، الذي يعود لأصول تركمانية، الزبائن السوريين بوجه أقرب للصفرة وبلهجة عربية ثقيلة، يذكّر بخطابه المؤنث، ويؤنث المذكر أيضا، لكن "لا بأس لطالما أن وجوده هنا يفيد كثيرا"، على ما ذكره صاحب المحل التركي لـ"عربي21".
ووفق أرقام شبه رسمية صادرة عن السلطات المحلية التركية في مدينة غازي عنتاب، فإن المدينة تضم حوالي 450 ألف لاجئ سوري، نصفهم ممن تقل أعمارهم عن سن 18 عاما، وهذا ما يضع المدينة على رأس قائمة المدن التركية الأكثر تسجيلا لظاهرة عمالة
الأطفال السوريين.
من جانبه، ذكر رئيس الرابطة السورية لحقوق
اللاجئين، محمد النعيمي، أن عدد الأطفال السوريين المنخرطين في سوق العمل في مدينة عنتاب يتراوح ما بين 5000 و6000 طفل وفتى، تقل أعمارهم عن الثامنة عشر.
ووضع النعيمي، خلال حديث مع "عربي21"، مدينة عنتاب في المرتبة الثانية، بعد مدينة شانلي أورفا التركية، التي تأتي على رأس قائمة المدن التركية تسجيلا لعمالة الأطفال السوريين، على حد تقديره.
وعزا رئيس الرابطة ارتفاع ظاهرة حجم عمالة الأطفال السوريين في
تركيا إلى عدة أسباب، من بينها الفاقة التي تعاني منها أغلب الأسر السورية اللاجئة، وإلى ضعف انتشار المدارس السورية، مع انتشار المشاريع الصغيرة السورية التي تسهل عمالة الأطفال، فضلا عن عدم تطبيق السلطات التركية للقوانين الصارمة التي تحارب هذه الظاهرة.
وجاء في تقرير صادر عن مؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التركية (TESEV)، نُشر في بداية العام الحالي، أن عدد استخدام الأطفال السوريين الذين لم يبلغوا السن المسموح به للعمل في ازدياد.
وترتبط ظاهرة عمالة الأطفال بالتسرب المدرسي. وبحسب أرقام صادرة، مع بداية العام الدراسي الحالي 2015-2016، عن وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة المنبثقة عن الائتلاف الوطني، فإن عدد الأطفال السوريين المتسربين من المدارس التي أقامتها الحكومة التركية (المراكز التعليمية المؤقتة) يناهز 30 ألفا.
وعلى صعيد متصل، رصدت دراسة معنونة بـ"أثر عمالة الأطفال على الطفل السوري النازح والمقيم في ولاية عنتاب"، أجراها مركز الجمهورية للدراسات في مدينة عنتاب في أيلول/ سبتمبر2015، آثارا سلبية لعمالة الأطفال على شخصيتهم، من أهمها، الخلل الذي يصيب التناسق العضوي الجسدي للطفل، وانخفاض مخزون الطفل المعرفي، وصولا إلى نسيان القراءة والكتابة، كون اللغة التركية هي اللغة التي يتعامل بها الأطفال في أثناء العمل.