نشرت صحيفة ليزيكو الفرنسية تقريرا عرضت فيه أهم ما جاء في التقرير
الاستشرافي الذي أصدره معهد "فيتيريبل" في باريس، حول التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي سيشهدها العالم خلال العقود الثلاثة المقبلة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن تقرير "فيجي 2016" الذي أصدره معهد "فيتيريبل" لدراسات المستقبل، والذي جاء في نحو 550 صفحة وشارك فيه أكثر من 40 باحثا، جاء مليئا بالتوقعات بشأن التطورات التي من المرجح أن يشهدها العالم بحلول
سنة 2050.
وبحسب هذا التقرير، سيشهد العالم تزايدا في عدد سكانه، وبعد أن قفز العدد من 2.5 مليار نسمة في سنة 1950 إلى ثلاثة مليارات في سنة 1960، واصل العدد بعد ذلك صعوده بمعدل 800 مليون نسمة في كل 10 سنوات، إلى أن بلغ اليوم 7.4 مليار. وسيرتفع العدد بشكل خاص في القارة الأفريقية، التي تفوق فيها نسبة الولادات 5.5 في المئة، في مقابل تواصل انخفاض هذه النسبة في باقي أنحاء العالم، حيث تبلغ الآن 2.5 في المئة.
كما توقع هذا التقرير أنه على المدى الطويل ستواصل مصاريف الرعاية الصحية ارتفاعها بشكل ملحوظ، في البلدان المتقدمة كما في البلدان النامية، وأشار إلى أن سبب هذه الزيادة ليس الشيخوخة أو ارتفاع أمل الحياة عند الولادة كما يعتقد الكثيرون، بل إن المصاريف الإضافية سببها الاكتشافات الطبية وتقديم أدوية وخدمات صحية مستحدثة.
وتشير التوقعات إلى أن ميزانية الرعاية الصحية ستتضاعف بين سنتي 2015 و2050، ولن ينجح أسلوب الطب الوقائي في خفض هذه النفقات، وبحلول 2050 سيكلف قطاع الصحة 14 في المئة من الناتج الفردي الخام في الدول الغنية و10 في المئة في الدول الناشئة. كما سيصبح التوجه العام هو التغطية الصحية العالمية، من خلال وضع أنظمة تغطية صالحة في كل أنحاء العالم.
أما في مجال التعليم، فقد حذر التقرير من أن التطور التكنولوجي وظهور التعليم عن بعد لن يكفي لتغطية الحاجة للمدرسين، كما سيتجه العالم نحو تحرير هذا القطاع وجعله أكثر انفتاحا، وبالتالي ستواجه المدارس والجامعات الحكومية منافسة شرسة من المؤسسات الخاصة، ومن الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا، مثل جوجل ومايكروسوفت.
وأكد التقرير أن نقص عدد المدرسين في المستقبل هو خطر قائم، حيث يحتاج العالم إلى أكثر من 27 مليون مدرس مع حلول سنة 2030، وستكون احتياجات القارة الأفريقية وحدها ثلثا هذا الرقم، كما سيشمل هذا النقص دولا أوروبية رائدة في مجال التعليم، مثل الدنمارك والنرويج وألمانيا، وقد شرعت هذه الدول فعلا في اتخاذ إجراءات لتلافي هذا النقص. كما أن مسألة الرفع من كفاءة هؤلاء المدرسين، ستكون التحدي الأساسي خلال خمس عشرة سنة القادمة.
أما في مجال
الطاقة، فقد أثبتت سنة 2015 كم هو صعب إصدار أي توقعات بشأن مستقبل هذا القطاع، بعد أن انهارت أسعار النفط إلى مستوى لم يتوقعه حتى أكثر المراقبين تشاؤما. ولكن رغم ذلك، فمن المتوقع أن يتواصل ارتفاع الطلب على الموارد الطاقية بين سنتي 2030 و2050، بفضل النمو الديمغرافي وتطور نمط عيش
السكان في الدول الصاعدة. ولكن مصادر الطاقة ستشهد تغيرا جزئيا مع حلول سنة 2040؛ حيث سيمثل الفحم والنفط 50 في المئة من استهلاك الطاقة في العالم بعد أن كان يمثل 60 في المئة في سنة 2012، في مقابل ارتفاع نسبة الاعتماد على الغاز الطبيعي من 21 في المئة إلى 24 في المئة، أما الطاقة النظيفة فسيصبح نصيبها 26 في المئة، بواقع 19 في المئة للطاقة المتجددة وسبعة في المئة للطاقة النووية.
كما أشار التقرير -في السياق ذاته- إلى أن تقدير مدخرات الطاقة العضوية في العالم يبقى شبه مستحيل، لأسباب تقنية واستراتيجية، حيث تعمد عدة دول منتجة للطاقة للمبالغة في تقدير مدخراتها، فيما تفضل دول أخرى التقليل من توقعاتها بحسب مصالحها.
كما تعرّض التقرير إلى مجال الزراعة والأغذية، والتهديد الذي يمثله التغير المناخي على مستقبل غذاء الإنسان في كوكب الأرض، حيث ذكر أنه خلال خمسين سنة الماضية ارتفع معدل الاستهلاك الفردي للغذاء من 2360 سعرة حرارية إلى 2800 سعرة، ومن المنتظر أن يتجاوز هذا المعدل حاجز 3000 سعرة بين سنتي 2030 و2050.
وفسر التقرير هذا الارتفاع بحدوث "انتقال غذائي" من استهلاك الحبوب إلى استهلاك المنتجات الحيوانية، مثل اللحوم والبيض والحليب. وسيؤدي ارتفاع الطلب على هذه المنتجات، بالإضافة إلى ارتفاع عدد سكان العالم، إلى طفرة في إنتاج هذه المواد.
كما يشير التقرير إلى أن التغير المناخي، الذي يحظى باهتمام كبير لدى العلماء والباحثين، سيكون له تأثير مدمر على الإنتاج الزراعي، وهو أمر بدأت بوارده تتضح، من خلال المشكلات التي تواجهها المناطق الأكثر ارتفاعا عن سطح الأرض، ورغم وجود أفكار يتم وضعها للتعامل مع هذه المشكلة، من خلال استغلال المساحات التي ستصبح قابلة للزراعة في المستقبل، وتنويع الإنتاج، والتحكم في المواسم الزراعية، فإن التقرير يحذر من أن الكوارث الطبيعية، مثل الجفاف والفيضانات وموجات الحر، ستؤدي لانخفاض المردود الزراعي على المستوى العالمي.