الموقف الساخن على الساحة الخليجية قد عبر عن نفسه بشراسة من خلال تصاعد التدهور في العلاقات السعودية/الإيرانية ، والذي كان نتيجة حتمية لتراكمات وأحداث ومواقف بعضها قديم وبعضها مستحدث، في ظل ظروف تشابك والتحام وتناقضات سياسية إقليمية ألقت بظلالها على الأحداث المتوترة والتي زادت إشتعالا بعد قيام المملكة العربية السعودية بتنفيذ عمليات القصاص الشرعي السيادية ضد متهمين أدينوا من قبل محاكم شرعية قامت بكل إجراءات التقاضي ووفق الضمانات والضوابط القانونية، رد الفعل الإيراني على الإجراءات السعودية كان متسما بابتعاده التام عن الالتزام بالقوانين الدولية أو بالحدود الدنيا من مبادئ حسن الجوار، وخرقا فاضحا لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وإمعانا في النفخ في تيارات الفتنة المجتمعية التي تغذي تيارات التطرف وتساهم في تمزيق المجتمعات، أما الهجوم الشعبي الإيراني المدبر من قبل خلايا وشبكات الباسيج الإيراني على السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد، فهو عمل بربري عدواني متكرر ومعروف وله نسخ سابقة ومتكررة وسوابق معروفة في تصفية الحسابات وإمعان في فرض أساليب بربرية في سياق العلاقات الدولية وبالضد تماما من القوانين الدولية أو الأخلاق الإسلامية الكريمة!.
التدهور في العلاقات الخليجية/العربية/ الإيرانية ليس بالأمر المفاجئ في ظل صدام المواقف وتناقضات السياسة وإدارة أوراق الصراع الإقليمي، فما يحصل هو تكرار لما يحدث في الساحات العراقية والسورية واللبنانية وهو صيغة من صيغ إدارة الحرب بكل أشكالها السياسية والإعلامية والعسكرية، ومن المؤسف أن تفشل كل جهود نزع التوتر وتنفيس الاحتقان بعد أن تحول الشرق القديم لساحة لتصفية الحسابات وعبر الاستعانة بالقوى الدولية الكبرى التي لم يكتف بعضها بتغذية تلك النزاعات بل قام بنفسه بمهمة المشاركة في حروب الإبادة القذرة فيها مثلما فعلت روسيا في الساحة السورية التي فتحت الطريق بمواقفها العسكرية والسياسية المتطرفة والموغلة في العدوانية لتوسيع آفاق ومديات الصراع بدلا من احتوائه!
والواقع أن حجم التمدد العسكري والأمني الإيراني في المنطقة كان سيؤدي في نهاية المطاف لصدام إقليمي كبير ليس من السهل تجنبه في ظل تصاعد الصراع وامتداداته في العمقين السوري والعراقي ووصول الثورة السورية لمرحلة صعبة من الهجوم الدولي عليها ومحاولة إنهائها وفتح الطريق لتعويم النظام السوري من جديد بعد إعادة صقله وتهذيبه وهو ما يحاول حلفاؤه تحقيقه!
كما أن التورط الإيراني المباشر في الحرب السورية سواء من خلال ميليشيات جماعتها في المنطقة أو قوات الحرس الثوري ذاتها وازدياد الخسائر البشرية الإيرانية قد رسم علامات إثارة وتوتر كبيرة وبما يمهد لحالة انفجارية وشمولية وعلنية من الصراع!؟، إذن كل العوامل المحيطة بأدوات إدارة الصراع كانت تمهد الأرضية لتشابكات إقليمية واسعة بعد وصول الحلول السلمية والسياسية لآفاق مسدودة، والواقع أن حملة التهديدات ضد السعودية والمنطلقة من أطراف معروفة وجماعات معينة لا يمكنها أبدا أن تشوه مقاصد السياسة والدبلوماسية السعودية الهادفة لرد الأذى عن المنطقة وتجنيبها ويلات الخراب والحروب الأهلية المدمرة.
فالسياسة السعودية في نهاية المطاف ملتزمة بثوابت استراتيجية وأمنية هدفها تثبيت السلم الإقليمي وعدم الانجرار وراء المغامرات والحروب العبثية، مع احترام إرادة وخيارات الشعوب الحرة، ومن واقع عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول صاحبة السيادة، والتصرف السعودي كان دفاعا عن النفس وعن أمن الإقليم ولا يهدف لتصفية حسابات ولا لصب الزيت على النيران المشتعلة، فدول مجلس التعاون الخليجي وفي طليعتها السعودية حريصة على البناء والتنمية والتطور ولا تحتاج لفتح ملفات فتنة هوجاء من شأنها تدمير المنطقة، على الآخرين من أهل المشاريع السياسية والعقائدية المعدة للتصدير مراجعة أنفسهم ومواقفهم والالتزام بوقفة تعبوية مع النفس تتم فيها مراجعة تصرفاتهم وأساليبهم وأجنداتهم، من يزرع الريح يحصد العاصفة، والعواصف الهابة على الخليج العربي في مطلع العام الجديد تحمل معها شحنات انفجارية ندعو الله أن يجنب المنطقة وشعوبها تداعياتها الضارة!، وحدة مواقف دول مجلس التعاون الخليجي ستبدد كل رياح الفوضى والدمار التي ستتلاشى، فإرادة قادة المنطقة وشعوبها تدعو للأمن والسلام.