مقالات مختارة

هل بدأت حروب صراع الحضارات؟

أحمد القديدي
1300x600
1300x600
في ظلال أحداث أليمة منها استفحال الأزمات في أغلب الدول المسلمة وتفاقم الهجرات الشبابية المشرقية إلى سواحل أوروبا وتنامي حركات العنف الرافع لشعارات الدين وميل الرأي العام في الغرب إلى انتخاب الأحزاب اليمينية العنصرية (مثلما وقع في الانتخابات الفرنسية الأخيرة وصعود الجبهة الوطنية اليمينية) كرد فعل ضد الإرهاب بالتزامن مع التدخل الروسي بقوة في سوريا وانخراط القوى الإقليمية في الأزمات التقيت في باريس هذه الأيام جمعا من الزملاء الأكاديميين العرب المقيمين هنا وأردت أن أتعمق مع الزملاء الكرام بعد عشرين سنة من تعاقب الأحداث المأساوية في أسرار التحولات الكبرى التي هزت العالم والأمة الإسلامية وغيرت التوازنات القديمة والمواجهات التقليدية بين غرب رأسمالي وشرق شيوعي أو بين شمال غني وجنوب فقير وأقامت بين المسلمين والغرب أسوارا عالية من العداء والريبة وفي أحيان كثيرة من الحروب الدموية كما وقع في أفغانستان ثم العراق وفلسطين واليوم في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، وقبلها في البوسنة والهرسك والشيشان، وربما غدا في إيران أو باكستان أو جمهوريات آسيا الوسطى ذات الأغلبية المسلمة.

وتبادلت الرأي والتحليل مع تلك النخبة التي يؤهلها تخصصها الأكاديمي للابتعاد عن الأيديولوجيات ومغازلة العواطف العربية الجياشة بما يريد الناس أن يسمعوا من عذب الشعارات ومعسول العبارات، فكان اللقاء مفيدا جدا، خاصة ونحن مهمومون بنفس الهموم العربية، ويعيش أغلبنا في مدن أوروبا اختيارا أو اضطرارا، وبالتالي نتقاسم معايشة التصادم اليومي مع المفاهيم الخاطئة والجهالات المتراكمة التي يتعاطى بها الرأي العام هنا في الغرب والرأي العام العربي مع القضايا السياسية والحضارية التي نواجهها والتي تتعلق بالعلاقات الإسلامية الغربية، في مرحلة من أخطر مراحل التاريخ الحديث دقة وحساسية.

واكتشفت بأن بيننا اتفاقا ضمنيا وهو الإيمان بأننا ندخل مع الغرب مرحلة جديدة حاسمة من التصادم، يغذيها من الجانب الغربي مخطط المتعصبين من الصهاينة العنصريين والإنجيليين الجدد الذين تحركهم حكومات الظل المتشكلة من 200 شركة أمريكية عابرة للقارات التي استقرت منذ الثلاثينات في حي مانهاتن بنيويورك والتي تخدم في الخفاء مصالح مالية استراتيجية لما نسميه النظام العالمي الجديد وهو نظام جائر يؤيد استعباد الشعوب المستضعفة حيث تسيطر تلك اللوبيات على إنتاج وتوزيع المواد الأولية والطاقة وأغلب مراكزها ورؤوسها المدبرة مستقرة في مانهاتن مع فروع ووكلاء بلندن وباريس وبرلين وفي القارات الخمس. 

ولسنا نحن العرب الذين نفضح هذه اللوبيات، لأن عالم الاقتصاد الفائز بجائزة نوبل عام 2001 الأستاذ (جوزيف ستيغليتز) والذي كان نائب رئيس للبنك العالمي ومستشارا للرئيس كلنتون، خصص لهذه القوى السرية كتابا صدر باللغات الأوروبية بعنوان (عالم مختلف) 

DIFFERENT WORLD)) وحلل الظلم الدولي كذلك أكبر علماء الحضارة واللغات الأمريكي (ناحوم تشومسكي) في كتابه بعنوان (نحو الهيمنة على العالم) والذي رفعه بيده الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في خطابه العاصف أنداك، وكذلك عالم الاقتصاد الأمريكي الذي كان مرشحا للرئاسة الأمريكية ليندن لاروش الذي يكتب أسبوعيا في هذا المحور في مجلته (أنتليجنس اكزيكيتف ريفيو).و يقر زملائي بأن هذه القوى العاتية في الغرب وفي إسرائيل هي التي بدأت منذ بداية التسعينات تضع نظريات صدام الحضارات، على لسان (صمويل هنتنجتن)، ونظريات نهاية التاريخ على لسان (فرنسيس فوكوياما)، ونظريات ضرورة الحرب على المسلمين على لسان (ناتان شارنسكي) الوزير الإسرائيلي الذي أعلن الرئيس بوش الابن بأنه يعدّ كتابه منهج عمل وطريقة تعامل سياسي مع الإسلام، ونصح وزراءه بمطالعته والاستنارة به.

ثم بعد الحادي عشر من سبتمبر الغامض تحول الغرب إلى الهجوم الكاسح ضد ما اعتبره جيوب مقاومة للهيمنة الغربية (أو منابع للإرهاب) وشن الحروب الاستباقية لكن تحت شعار إدخال الناس أفواجا إلى جنة الديمقراطية ولو بالسلاسل! وكما كان متوقعا فقد ردت الشعوب المسلمة الفعل بالرجوع إلى الأصول واللجوء إلى الملاذ الحضاري الأمين، فكانت الانتخابات هنا وهناك -اذا ما تمت- مؤشرات لا تخطئها العين على العودة العارمة للقيم الأصلية كموقف صمود ضد المظالم الساطعة والمذابح الشرسة في فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان والشيشان (حيث اغتيلت إحدى الإعلاميات لمجرد دفاعها عن ضحايا جروزني في موسكو). واليوم يواصل غلاة العنصرية بجناحيها الصليبي والصهيوني السير في الطريق الخطأ، بتكريس خطاب الكراهية والحقد لا ضد التطرف الذي ندينه وهو تطرف موجود في كل الأديان بل ضد الإسلام كدين وكحضارة وضد مصالح المؤمنين به، في حملات جديدة أصبحت لا تفرق بين إسلامي وعلماني ولا بين سلطة ومعارضة ولا بين غني وفقير ولا بين سني وشيعي والتمهيد لمواجهات عسكرية وتهيئة الرأي العام العالمي للقبول بها، رغم تحذيرات الشرفاء من مثقفي الولايات المتحدة وأوروبا ونزهاء اليهود.

قال زملائي: أليس الأجدر بالنخب العربية اليوم أن تعيد حساباتها مهما كانت مواقعها في السلطة أو في المعارضة لتجديد خطاب التعامل مع الغرب وتكثيف الجهود لجمع كلمة الأمة، عوض مواصلة طريق الضلال الحضاري بتأبيد الجدل العقيم حول الأيديولوجيات والشعارات والزعامات، بينما نحن جميعا نركب في مركب واحد بدأت عواصف الأعداء المتربصين تهب عليه لإغراقه، ونحن في سنة من النوم وغفلة من التاريخ.

عن صحيفة الشرق القطرية
0
التعليقات (0)