قضايا وآراء

راشد الغنوشى.. وذلك الطائر المنشود

هشام الحمامي
1300x600
1300x600
(منطق الطير) كتاب للفيلسوف فريد الدين العطار (1142-1242م) الذي عاش مائة عام تقريبا ولد في نيسابور وتوفي في مكة.. وكان تأثره بحجة الإسلام أبو حامد الغزالي (1058-1111م) كبيرا... يروي في الكتاب حكاية الطيور التي اجتمعت للبحث عن الطائر الذي تجعله مرشدا لها في رحلة البحث عن الحقيقة... (الطائر المنشود).. وتجتمع على اختيار الهدهد ليقودها في تلك الرحلة.. تطول الرحلة ويتراجع كثير من الطيور لأسباب مختلفة ولا يتبقى معه سوى 30 طائر.. المهم في الموضوع أنهم يصلون في النهاية إلى هدفهم.. بعد ارتحالات طويلة في شتى المسارات.

تذكرت المفكر والعلامة والقائد الكبير راشد الغنوشي متصورا إياه ذلك الهدهد أو الطائر المنشود.. فمن زمن طويل غاب عن الحركات الإصلاحية ذلك الكيان الذي يجتمع فيه قلب الولي الصالح بعقل المفكر القائد.. إما أن ترى ناس أخيار قليلي الوعي بالواقع فيتوهوا ويتوهوا الناس معهم.. وإما إن ترى ساسة وقادة لكن الدنيا ولعاعتها تمثل قبلتهم والعياذ بالله.. لا بد من طلب الدنيا لمن كان في الدنيا كما يقولون.. ولكن أن تكون بمثل هذه اللهفة وهذا اللهاث فهذا مما يؤلم ويسوء ويسيء أيضا لهم وللأفكار التي يحملونها ويتقدمون بها إلى الناس.. .لا علاقة لنا بمكنون السرائر.. لكننا نتحدث عن شواهد الأفعال.. .وتلك مسألة أخرى نتركها لسطور التاريخ والمؤرخين.. فكل إنسان في النهاية لابد أن يسدد الثمن لأي مطلب يطلبه.. ليس هناك شيء ليس له ثمن يسدد.. وليس هناك عمل ليس له جزاء.. 

دعونا من كل ذلك.. فليس هذا موضوع المقال.. موضوعنا هو التغني بحب هذا الرجل (الشيخ راشد).. وكل يغني على منشودة كما يقولون.. 

شرفت بلقاء الرجل في تونس من ثلاثة أعوام على هامش اجتماع المؤتمر القومي/ الإسلامي.. ودار بيننا حديث طويل حول شتى الأمور في مصر والعالم الإسلامي.. وتأكد لي ما كان قد ذكره لي الراحل الكبير(المستشار صالح أبو رقيق عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان في الأربعينيات وكان وثيق الصلة بالحركات الإصلاحية في شمال أفريقيا ).. 

نقد الشيخ راشد للحركة الإسلامية في العالم العربي كان مبكرا جدا وموضوعيا جدا.. كان الرجل أول من أعلن أن هناك ضعف في الفكر وعقم في التخطيط !! وغياب في النظرة الاستراتيجية للأمور.. كان زرقاء اليمامة والحكيم الذي حذر من ضحى الغد.

واقرأوا بعضا مما قاله باختصار شديد حول ذلك:

(أولئك المطمئنين أن الأمور تسير سيرا حسنا.. هل جلسوا مرة واحدة ليقيّموا ما حصل رغم ضخامة وفظاعة ما حصل )؟

(هل استطعنا أن نفهم الناس أن الإسلام جاء ليعمر وييسر للبشر استكمال خصائص إنسانيتهم )؟

(هل استطعنا الربط بين الدعوة وبين مطالب الناس وطموحاتهم في استقلال الإرادة الوطنية والعيش في حرية وكرامة) ؟

(هل تيقنا فعلا بضرورة العمل وسط الجماهير لإبلاغ الفكرة وبلورة المشروع مع احترام الأطراف الأخرى في ساحة العمل أم لا زلنا ندعي الكهانة والوصاية على الآخرين) ؟

(هل استطعنا أن نصيغ رؤية إسلامية معاصرة تستوعب مكاسب البشرية ونضع لها مكانها في الوعي الإنساني)؟.

(هل استطعنا أن نربط بين الرغيف والفكرة في وعي الناس العاديين)؟

(هل مازلنا نرى ماضينا كله صوابا أم أن به أخطاء لابد من تجاوزها ودراستها لنتخطاها إلي الأفضل ) ؟

(هل استطعنا أن نقنع المرأة أن الحجاب هوية وانتماء قبل أن يكون شكلا وغطاء.. وأن الإسلام قدم شهادة ميلاد للمرأة الإنسان لا المرأة الشهوة والمتاع) ؟

(هل استطعنا أن نأخذ بقلوب الناس لتتجه إلي الله وتتوق للقائه وتفزع من عذابه...هل استطعنا أن نقنعهم أن العمل للآخرة يجعل أهداف الدنيا تجد حلها التلقائي في الطريق) ؟

(هل تأكدنا بضرورة غرس هم التجديد والإبداع فينا وارتياد أفاق جديدة في رحاب الله والتاريخ والمستقبل فتنفجر فينا كل قابليات الخير والحق والحب والجهاد)؟

(هل تيقنا بضرورة فسح الطريق لنماذج التجديد لتضيف إلي التصورات التقليدية التي توقفت من أواخر الأربعينيات ويدفعون الناس إلي ألوان جديدة من المجاهدة الفكرية والثقافية وإلي مساحات جديدة من العمل السياسي والاجتماعي أوسع وأرحب)؟

(هل تيقنا أننا تغيب عنا فلسفة للتربية مما يجعل العمل التربوي اقرب إلي التنميط والتكديس منه إلي البناء والتفرد)؟.

الراشد المرشد طرح هذه الأسئلة من ثلاثة عقود !! ولربما أكثر.. ولم يستمع إليه أكثرهم.. كانت قضية الحشد والتعبئة التنظيمية هي أم القضايا.. كانت كلمات مثل ثقافة وتجديد وإبداع وتقييم.. كفيلة لسن (سكين) الإقصاء والإبعاد والاتهام.. ولا زالوا.. على ما هم عليه رغم كل تلك العبر والشواهد.

آخر ما قرأت للراشد المرشد كان كتاب (القدر عند بن تيمية).. وخلص فيه الراشد إلي أن الرجل هو أبو الصحوة الإسلامية المعاصرة وقدم فيه إجابات بن تيميه على مسائل القضاء والقدر والجبر والاختيار.. وهي من روائع العقل الإنساني.. قدمها لنا راشد الغنوشي في دراسة شديدة الرقي والبساطة.

ستظل أفكار راشد الغنوشي ركائز هادية من اجل الوصول إلى إنسان جديد يجسد قيم الفكرة الإسلامية سموا وامتداداً. 
التعليقات (1)
محمد
الأحد، 03-01-2016 04:08 م
تطبيل بائس من ركب ثورة شباب الفقر غير الاسلاميين ؟