الاستقرار هي المفردة الحاضرة اليوم في خطابي خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اللذين اتفقا على إكمال نقاشهما بشأن المنطقة التي تعيش حالة زعزعة واضطراب كبيرين في الرياض، وذلك بعد أن التقيا منتصف الشهر الفائت في أنطاليا التركية على هامش قمة العشرين، يومها كان الود بين القيادتين واضحا لدرجة يسهل معها استنتاج حال العلاقات بين البلدين.
وعندما نقوم بنظرة عامة في الشرق الأوسط، سيلفت نظرنا أنهما البلدان اللذان يتمتعان بثقل كبير على عدة مستويات سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية أيضا، ينعمان بحالة استقرار يأملان في تسخيرها، وتجيير اتحادهما وتوافقهما بشأن الكثير من القضايا، ليعبرا بالمنطقة عباب الأزمة التاريخية التي طالت واستحكمت حلقاتها.
ولطالما كانت العلاقات بين الرياض وأنقرة عصية على التباعد والشقاق، وحتى في أحلك اختبارات المنطقة، وأشدها وطأة، فإن البلدين استطاعا تجاوزها بإعمال لغة السياسة والمصالح الاستراتيجية، بعيدا عن أي أجندات أخرى أو تجاذبات لا طائل منها، فأسوأ ما يمكن أن يحدث هو تباعد قطبين رئيسيين في المنطقة التي سقطت أهم أقطابها، وفي إطار إعمال السياسة جاءت المواقف التركية من عاصفة الحزم والتحالف الإسلامي ضد الإرهاب والتنسيق بشأن الأزمة السورية إيجابية، يدفعها في ذلك ثقتها بسياسة المملكة وقدرتها على المناورة في المنطقة العربية.
تتعدى القمة السعودية – التركية غدا العلاقات بين البلدين، إذ إن تأثيرها يطال الإقليم الذي تعمل الرياض على أن يسوده في قابل الأيام جو تصالحي هو في أمس الحاجة إليه، فالتقارب بين أنقرة وأبوظبي على سبيل المثال قد يخدم البلدين، ويدفع باتجاه إنعاش المنطقة سياسيا واقتصاديا، هذا التقارب قد تدفع المملكة به ليتعدى النطاق الخليجي، ليمتد تجاه مصر، فالبلدان -أي تركيا ومصر- يقعان على مسار تقاطع مصالح خصب للغاية في حال تم اغتنامه بتأهيل ذلك المسار، وعودة المياه إلى مجاريها بين العاصمتين الشامختين.
ولاشك أن أنقرة تدرك تماما أن سياستها القديمة ما قبل "حزب العدالة والتنمية"، ومرحلة انكفائها قد حرمتها من الاستفادة الاقتصادية والسياسية، على حد قول رئيس وزرائها أحمد داود أوغلو الذي يذكر في كتابه "العمق الاستراتيجي" أن ابتعاد تركيا عن التأثير في هذه المنطقة، على الرغم من قربها من الخليج، الذي يمتلك أهم موارد الطاقة في العالم، أهم نقطة ضعف في ماضي السياسة الخارجية التركية".
إذا، فالقمة فرصة لتنقية الأجواء إقليميا، وخلال هذا اللقاء فإن حصاد فرص اقتصادية يبدو مواتيا للغاية، فالرياض وأنقرة يريدان الحفاظ على اقتصادياتهما في حالة نشاط، متجاوزين أجواء دورة اقتصادية دولية ثقيلة الظل، فالمملكة تعمل على مرحلة تحولية تريد من خلالها طي صفحة الاعتماد على النفط بشكل رئيسي في ميزانيتها، وتركيا من جهة أخرى تريد استمرارية معجزتها الاقتصادية التي تهددها زوابع المنطقة.
إن الحفاظ على محور الرياض – أنقرة في حالة اتقاد يصب في صالح المنطقة التي تقف على تخوم النزاعات، وتتهددها أولويات القوى الكبرى، وإن تعاونهما في ملفات المنطقة السياسية والاقتصادية والعسكرية وحتى الثقافية، أمر حتمي لا يقبل الخيار، وإن كانت الأجندات مختلفة فالهدف مشترك.