مقالات مختارة

روسيا والخليج.. والمأزق الاستراتيجي

ايمن الحماد
1300x600
1300x600
قبل أسبوع من التدخل الروسي في سوريا، افتتح الرئيس فلاديمير بوتين مسجدا في موسكو، ودعا من هناك إلى التسامح ونبذ الكراهية، وأدان "داعش" وقال إنها لا تمثل قيم الإسلام.

خلال اليومين الماضيين برزت فعاليتان جرتا على الأراضي الروسية، تدوران في فلك علاقات روسيا بالعالم الإسلامي، الأولى الاجتماع الوزاري للحوار الاستراتيجي الخليجي - الروسي واحتضنته موسكو، والآخر كان اجتماع مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي" الذي عقد في مدينة "قازان" الروسية.

قادت الأوضاع في المنطقة العلاقات الخليجية - الروسية صوب تحقيق اختراق في شكل ومضمون تلك العلاقة، التي ظلت ردحا من الزمن تراوح مكانها إما بسبب انكفاء الكرملين لمعالجة أعراض سقوط الاتحاد السوفيتي، أو بسبب وجود الخليج في الأساس في مناطق الانخراط الأمريكي، كما أنها ليست في نطاق الأهمية الجيواستراتيجية لروسيا، إذ إن المواقع الكلاسيكية المفضلة للتحرك الروسي تقبع في البلقان والقوقاز، حيث الامتدادت الإثنية والثقافية الروسية.

إلا أن ما جرى في المنطقة خصوصا بعد الاضطرابات العربية والاتفاق النووي الإيراني والاستدارة الأمريكية، باتجاه تخفيض اهتمامها أو انتهاجها مقاربة مختلفة مع دول الخليج في معالجة ملفات المنطقة، واضطلاع روسيا بالملف الأبرز والأكثر استراتيجية لها وللخليج كذلك وهو الملف السوري؛ جعلت الخليجيين على يقين بأن مفاتيح الحل لتلك الأزمة تكمن في الكرملين، لذا كان ذلك التقارب والانهماك بين الجانبين.

والواقع أن دموية الملف السوري تلقي بظلالها على شكل ومرونة العلاقات الخليجية-الروسية، وتنظر موسكو لمصالحها في سوريا بمنأى عن مصالح إيران، وحتى النظام السوري نفسه، وبالتالي من باب أولى دول الخليج، وقد كان ورشَح شيء من الخلاف بين موسكو والنظام وطهران بشأن الأزمة، إلا أن روسيا بلا شك هي المسؤولة عن بقاء النظام لهذا اليوم، لأنها ترى فيه الضامن لمصالحها، وهو الذي كان -أي النظام- في حكم الساقط لولا تدخل الكرملين العسكري المفاجئ سبتمبر الماضي، ليخلط أوراق المعادلة، وكان ذلك نقطة التقاء مصالح روسية - إيرانية.

سوريا بالنسبة لروسيا هي حدود "الناتو" حيث تركيا، وورقة لردع النفوذ الغربي في الباحة الخلفية الروسية، وفرصة لكبح نشاط الحركات الإسلامية المسلحة التي تخشى موسكو أن يمتد إلى نظيراتها في الجمهوريات الروسية المسلمة.

ومن خلال هذه المقاربة، فإن موسكو تبحث عمن يضمن مصالحها في مستقبل سوري، خصوصا أنها تدرك أنها لن تكون موضع ترحيب في أوساط السوريين السنة وهم أكثرية، لذا تنزع صوب إيران وصوب الأقليات السورية، وتصر على إشراكهم في العملية التفاوضية بشأن ذلك المستقبل.

ويدرك الكرملين في الوقت ذاته أن 20% من سكان روسيا هم من المسلمين، لذا يتحين بوتين الفرص من وقت لآخر لإيصال رسالة إلى الخارج، ويقصد بها الداخل أيضا، بأن حربه في سوريا موجهة ضد الإرهاب الذي لا يراه معبرا عن روح الإسلام، ومن هنا كانت رسالته إلى المجتمعين في "قازان" بأن العالم الإسلامي يمكن أن يكون على قناعة بأنه سيجد في روسيا حليفا آمنا.

عن صحيفة الرياض السعودية
0
التعليقات (0)