اقتصاد دولي

26 مليار دولار قروض متعثرة تشل قطاع إيران المصرفي

النظام المصرفي العالمي أصيب بخيبة أمل عندما تعرف عن قرب على وضع الاقتصاد الإيراني - ارشيفية
النظام المصرفي العالمي أصيب بخيبة أمل عندما تعرف عن قرب على وضع الاقتصاد الإيراني - ارشيفية
كشف تقرير لصحيفة "الاقتصادية" السعودية، الأحد، أن النظام المصرفي العالمي أصيب بخيبة أمل عندما تعرف عن قرب على وضع الاقتصاد الإيراني.
 
وحسب "الاقتصادية" فإن القيادة الإيرانية ووسائل الإعلام المحلية ترفض أن تطرح على شعبها الحقيقة كاملة، وأن للازدهار الاقتصادي شروطا لا تمتلكها إيران حاليا، وسيصعب عليها امتلاكها قبل عقدين ونيف من الزمان.

ويتطلب ربط طهران بالعالم الخارجي اقتصاديا وتجاريا وماليا نظاما مصرفيا محليا حديثا تفتقده إيران التي تكبدت عملتها نحو 80 في المائة من قيمتها جراء سنوات الحصار، ولن يكون بمقدور الحكومة الإيرانية تحقيق أي نجاح اقتصادي دون أن تقوم المصارف الدولية بالاستثمار في الاقتصاد الإيراني، وهو ما لا يبدو متحققا حتى الآن، إذ من بين كل الشركات الدولية الساعية إلى العودة للسوق الإيرانية بعد سنوات من العقوبات، تعد المصارف الدولية في مقدمة المترددين للقيام بذلك.

وكشفت "الاقتصادية" عن اجتماع رفيع المستوى وشديد الأهمية عقد في النصف الثاني من الشهر الماضي بين محافظ البنك المركزي وفريق من كبار الاقتصاديين والماليين الإيرانيين مع نظرائهم الأوروبيين في مدينة فرانكفورت الألمانية.

وافتتح فاليولا سيف محافظ البنك المركزي الايراني كلمته قائلاً "إن العلاقات على المدى القصير بين إيران والشركاء العالميين لن تكون مثمرة في غياب منظور طويل الأجل للاستثمار في القطاع المصرفي الإيراني"، مشيرا إلى أن بلاده قد اتخذت عديدا من الإجراءات التي تقربها من توفير البيئة الاستثمارية الملائمة للشركات والمصارف الدولية.

وحسب "الاقتصادية" لم يفلح سيف وفريقه في تحقيق الاختراق المطلوب وإقناع المجتمع الدولي بأن الاقتصاد الإيراني مستعد لاستقبال استثمارات دولية ضخمة.

وتنقل "الاقتصادية"، عن المختص في مجال المصارف، مارتين أوبرين، "إن هناك شروطاً للقطاع المصرفي العالمي للقيام بعمليات استثمارية كبيرة وضخمة في دولة من الدول، فالمصارف العالمية لا تقوم بالتأسيس لبنية مصرفية إنما تقوم بتوسيع وتطوير البنية المصرفية الموجودة، شريطة أن تكون حديثة، وهذا لا يتوافر لطهران جراء سنوات طويلة من العقوبات الاقتصادية عزلتها عن النظام المالي العالمي".

ويضيف أوبرين إلى أنه يتعين على إيران أن تستثمر أولا بكثافة لرفع مستوى الأداء لمصارفها المحلية ومن ثم تقوم لاحقا المصارف العالمية عندما يصل مستوى الأداء المصرفي لنقطة الجذب بالاستثمار في البلاد.

كما تنقل "الاقتصادية" عن أستاذة النقود والمصارف في جامعة يورك، الدكتورة تينا كيلي، قولها إن المسألة الجوهرية في رغبة المصارف العالمية بالاستثمار في السوق الإيرانية، تتمثل في الجانب القانوني وطبيعة التشريعات المنظمة لعمل الاستثمارات الأجنبية والمصرفية في إيران، حيث تتسم بدرجة كبيرة من عدم الجذب بل والعداء للاستثمارات الدولية سواء كانت مصرفية أو غير مصرفية.

وتضيف كيلي أن "المشكلة تكمن في أن هناك شعورا عاما لدى كبار الموظفين في القطاع المصرفي الدولي، بأن الداخل الإيراني يشهد صراعا سياسيا حادا ولم تصل البلاد بعد إلى التوافق المجتمعي حول العلاقة بالغرب، ومن ثم فإنه رغم وجود تيار راغب في تحسين العلاقة الاقتصادية مع العالم، إلا أنه تيار غير مهيمن ويواجه تحديات كبيرة من معارضة شديدة الشراسة تسمى في الأدبيات الاقتصادية الإيرانية بالاقتصاديين الوطنيين أو القوميين".

وتشير كيلي إلى أنه لا يوجد أي مؤشر حتى الآن على أن البرلمان الإيراني يرغب في تغيير مجموعة القوانين المقيدة والرافضة للاستثمارات الأجنبية، وهذا ما يجعل رؤوس الأموال المصرفية الكبرى غير متحمسة لإيران حتى الآن.

ولا يزال الشك يساور عددا من رجال المال في العالم في أن الاتفاق الذي وقع في 14 تموز/ يوليو الماضي بين إيران ومجموعة 5+1 المتعلق بإيقاف سعيها إلى امتلاك برنامج نووي عسكري، يعني نهاية الصراع معها والقبول بها دوليا.

ويخشى مسؤولون في العديد من تلك المصارف أن يتغير المشهد إذا ما وصل إلى سدة السلطة في البيت الأبيض رئيس أكثر صلابة في التعامل مع الإيرانيين، وما قد يسفر عنه ذلك من توتر في العلاقات الاقتصادية الدولية مع إيران.. ليس بالضرورة عن طريق عودة العقوبات بقدر ما يمكن أن يحدث إذا ما تم تجاهل إيران اقتصاديا من قبل المجتمع الدولي، وهو ما سيعني تراجع معدلات الربحية التي يمكن أن تحققها تلك المصارف من استثماراتها في طهران.

وتنقل "الاقتصادية"، عن الاقتصادي الإيراني أمير علي، قوله "إن البنك المركزي الإيراني قام أخيرا بمجموعة من الإصلاحات لتحقيق الاستقرار المالي، ويسعى إلى تبني سياسة مالية أكثر وضوحا واستقرارا، ولكي تعود المصارف الدولية للاستثمار في إيران، كما كان الأمر في عهد الشاه الراحل، فإن الأمر لن يتوقف عند مجموعة من الإصلاحات المالية الجزئية التي يقوم بها البنك المركزي على الرغم من أهميتها، لكن لا بد من عملية إصلاح شامل، وهو الأمر الذي يواجه بمعارضة من شخصيات متنفذة في صنع القرار، تسعى إلى الحفاظ على ما يمكن وصفه بالطابع العسكري والأمني للمنظومة الاقتصادية".

وبالفعل فإن إقدام المؤسسات المالية الدولية والمصارف للاستثمار في إيران يتطلب من طهران استيفاء مجموعة من الشروط والمعايير الدولية، منها على سبيل المثال التصدي لعمليات غسل الأموال وتوفير نسب محددة من الاحتياطيات المالية في المصارف، ولا تبدو طهران قادرة أو راغبة في تحقيق تلك المعايير حاليا.

ويضيف علي، أنه "بالنسبة إلى عمليات غسل الأموال فإن عددا من المؤسسات الإيرانية من بينها الحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات تمارس تلك العمليات لتمويل المجموعات الخارجية الموالية لإيران، مع ضمان بألا تظهر تلك الأموال ضمن البيانات الرسمية للدولة، أما بالنسبة إلى الاحتياطيات المصرفية فإن تراجع أسعار النفط حاليا أضعف من قدرة النظام المالي الإيراني على الاستجابة للقواعد الدولية المنظمة لعمل المصارف، فيما يتعلق بنسبة الاحتياطيات إلى رؤوس الأموال المودعة، فالمصارف المحلية في إيران تحيا على دعم الحكومة لها".

وتشير البيانات الرسمية الإيرانية إلى أن ما قيمته 26 مليار دولار من القروض المتعثرة قد شل النظام المصرفي الإيراني، وكانت هذه القروض قد منحت للشركات والأفراد الذين يتمتعون بعلاقات وثيقة ومميزة مع حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

وقد استغلت تلك الشركات وهؤلاء الأفراد العلاقة الوثيقة التي تربطهم بنجاد وحكومته، للتحايل على تأجيل السداد ما أدى إلى تراكم الديون عليها، وأصبح عمليا من غير الممكن تسديد ما عليهم من مستحقات مالية للنظام المصرفي الإيراني، دون إعلان إفلاسهم وهو ما قد يؤدي إلى كارثة اقتصادية إن حدث.

وقد أدى هذا الوضع إلى حالة من الركود الاقتصادي الآن، جراء عدم قدرة المصارف التجارية الإيرانية على منح مزيد من القروض، ويشير البنك المركزي الإيراني إلى أن القروض المتعثرة تبلغ حاليا 20 في المائة من إجمالي الأصول المصرفية الإيرانية، وهي نسبة شديدة الارتفاع والخطورة وتؤثر كثيرا في معدلات النمو.

وتعززت مخاوف الاقتصاديين الدوليين والإيرانيين بأن الاقتصاد الإيراني قد دخل دوامة الركود، فالعقوبات الدولية لم ترفع بعد، وأسعار النفط منخفضة، والإنفاق الاستهلاكي للمواطن الإيراني في تراجع، خاصة مع توقع عديد من المواطنين أن تنخفض الأسعار في أعقاب رفع العقوبات.

ورغم أن كثيرا من الاقتصاديين ينبهون إلى أن هذا قد لا يحدث بل قد يحدث العكس تماما، وتأخذ الأسعار في الارتفاع لمستويات غير مسبوقة، قدرت مجموعة من مختصي صندوق النقد الدولي معدل النمو عام 2014 بـ 1.5 في المائة.

ومع ترحيب صندوق النقد بإجراءات حكومة روحاني الأخيرة، لتحفيز النمو الاقتصادي عن طريق زيادة الطلب المحلي، عبر طرح حزمة من سياسات التحفيز المالي، بخفض أسعار الفائدة على القروض الائتمانية، أعرب عدد من الاقتصاديين عن قلقهم من مدلول التغيير في السياسات الإيرانية.
التعليقات (0)