قضايا وآراء

أي قانون دولي أباح لبوتين قتل السوريين؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600
يتعامل بوتين مع الشعب السوري بوصفه كم سائب ومهمل مسموح له من خلاله تجريب فعالية أنماط أسلحته، بقدرتها التدميرية ودقة إصاباتها في ميدان من الأهداف الحيّة، ومتاح له أيضا اختبار حظوظه في تحقيق تراتبية أفضل لروسيا في النظام الدولي، ويجد بوتين نفسه سعيدا ما دام العالم فتح له هذه المساحة للحركة والتفاوض وإثبات القدرة.

في ظل هذه الأريحية التي يجد نفسه فيها، يتركّز عمل بوتين على دفع معارضي نظام الأسد إلى الاستسلام وفق خطة تقوم على تدمير البنى التحتية، على بساطتها، التي أسسّتها المجتمعات المحلية بعد خروج نظام الأسد وتوقيفه عمل المؤسّسات الخدمية والإنتاجية فيها، حيث دمرّت الطائرات الروسية حتى اليوم، وفق تقارير منظمات حقوقية، عشرات المستشفيات والمدارس والمخابز، وكامل البنية التحتية التي تساعد الناس على البقاء على قيد الحياة نتيجة حالة الحصار الخانقة التي تعيشها تلك المناطق منذ سنوات، والغريب أنّه يجري إدراج هذه الأفعال في إطار جهود إنجاز التسوية في سوريا!.

وفي سياق الخطة المذكورة، يحاول بوتين عزل سوريا عن محيطها الخارجي، وخاصة من الجهتين الأردنية والتركية لقطع كل شرايين الدعم، وحتى شرايين الحياة، التي تستطيع الكتل الاجتماعية القاطنة في المناطق القريبة من هذه الحدود الحصول على بعض حاجاتها الضرورية من السلع والغذاء.

يعمل بوتين كل ذلك وبضوء أخضر من القوى الكبرى وجزء كبير من القوى الإقليمية وذريعته في ذلك ضرورة ضبط الميدان تمهيدا لبلورة القوى السياسية التي ستشارك في العملية السياسية العتيدة بالتزامن مع المحاولات الجارية لتصنيف القوى الميدانية بين الصالح والسيئ، لكن ما هي الضمانات بأن بوتين فعلا يسعى إلى إنجاز عملية سياسية عادلة في سوريا؟ طالما لم تضع الأطراف الإقليمية والدولية خطة طريق واضحة، وهو امر كان لا بد من الالتفات له، ليست خطة الطريق التي وضعها مؤتمر فيينا والتي لا تعدو أن تكون مبادئ عامة ومبهمة، بل خطة طريق للتدخل الروسي واستهدافه ومسار حركته، وهذا يتطلب وضع التدخل الروسي في الإطار الزمني لهذه الخطة ووضع جهوده وعملياته تحت المراقبة، وتحديد أليات وقواعد للمساءلة، ذلك أن العملية تجري في بيئة صراعية ووسط سكاني ولا يجوز أن يقبل العالم إعطاء تفويض لروسيا لتتصرف كيفما تشاء. وبأي حق تشارك إيران ومليشياتها الطائفية في هذه العملية؟ ما الذي يضمن بأن إيران التي تمارس حرب طائفية وتهدف إلى حصول تغيرات ديمغرافية في سوريا بأنها لا تسعى إلى استكمال المسار الذي بدأته، وما الضمانة أن روسيا لا تريد فرض واقع معين جغرافي وديمغرافي وتفاوض عليه كأمر واقع ؟. وخاصة وان روسيا لم تخفي عداءها الصريح للأكثرية السكانية في سوريا وانحيازها لنظام الأسد.

من الواضح أن العالم سلّم سوريا لروسيا وبات ينتظر حسن النوايا منها ويراهن على عقلانية بوتين وحياديته التي لا وجود لشواهد حقيقية عليها في كل تجارب الرجل السابقة وهو الذي يخوض السياسة الخارجية وفق منطق المغامرة وانتهاز الفرص، ثم كيف يمكن الائتمان على المكون السوري المعادي لإيران التي أقلتت كل ذئابها للنهش فيه تحت رعاية وحماية الطائرات الروسية؟.

حتى لو فرضنا أن بوتين قدم ضمانات ما لعمل تسوية بعرفها أوباما أو أولاند، فما هي نسبة الضحايا التي ستكون مقبولة لدى هؤلاء حتى يحقق بوتين هدفه؟، والملاحظ أن التدخل الروسي بات يضحي كثيرا بالمدنيين وبأشكال عديدة سواء عبر المساهمة في التهجير" أكثر من 120 ألف مهجر" أو من خلال تعمّده قتل العديد من المدنيين بذريعة استهدافه لمعارضي النظام المسلحين" حوالي 1700 مدني قتلوا منذ بداية التدخل"، كما حصل ويحصل بشكل يومي في إدلب ودرعا وحمص وحماة، وما الضمانة مع وجود أسلحة غبية وبنك أهداف يضعه ويقوم على تحديثه نظام الأسد الذي وفق تعريفه للإرهاب فإن الأطفال الذين يقيمون في مناطق الثوار هم إرهابيون وأهداف مشروعة؟.

يتذرع بوتين بأن أعماله في سوريا تقع تحت سقف القانون الدولي، ويختصر روح هذا القانون بطلب نظام الأسد منه التدخل في سوريا، وينسى أن الشعوب هي أساس ومصدر سيادة الأنظمة وشرعية القوانين، والأنكى من كل ذلك أن بوتين يطالب العالم كله بالرضوخ لمنطقه وألا يعد عليه كم القتلى السوريين بعد أن صنّفهم كإرهابين وبالتالي يسقط عنهم حق الحماية الذي يوفره القانون الدولي تحت مبدأ المسؤولية الاجتماعية، والأنكى من كل ذلك أن العالم يخضع، أقله حتى اللحظة!.
التعليقات (0)