كتب فايز الفايز: لا يزال العالم منشغلا بما جرى في العاصمة الفرنسية باريس، وكأنها أول عملية إرهابية تنفذ في هذا العالم المتصارع، وأبدى العالم تعاطفه مع المجتمع الفرنسي، بل زاد التعاطف إلى حدود النفاق السياسي العالمي، ومنذ صبيحة العمليات تلك، تفجرت من جديد موجة الكراهية للإسلام والمسلمين، والتي تسكن في قرارة نفوس طيف واسع من المجتمعات الغربية وعلى رأسهم الطبقات الحاكمة، ونسي الجميع أن فرنسا الكونيالية لم تغادر العالم العربي حتى سجلت ما يزيد على مليونين ونصف المليون من الأبرياء على يد قواتها العسكرية، ولم يعتذر أحد عن ذلك.
إن الجريمة هي الجريمة والمجرم هو المجرم والضحايا جميعهم في كل بلاد العالم هم بشرّ يحرم قتلهم قانونا وشرعا وإنسانيا، ولكن يبدو أن العالم ونحن جزء منه لا نتعاطى إلا مع الشعوب والدول الأكثر تحضرا وغناً وقوة وتأثيرا، فالقتلى الأبرياء سقطوا قريبا منا في العراق وسوريا واليمن ومصر والسعودية، ولا يزال الضحايا الفلسطينيون يقتلون يوميا في معركة سياسية مع المحتل الصهيوني، ولا صوت للعالم يطالب بوقف الإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين أو الكراهية المسيحية الغربية ضد العرب والمسلمين. في العملية الأخيرة التي نفذتها القوات الخاصة الفرنسية ضد مخبأ ما وصف بأنه العقل المدبر لعمليات باريس "عبد الحميد أباعود" في ضاحية "سان دوني" كان هناك كلب يدعى "ديزل" وسقط هذا الكلب البوليسي أثناء تدخله في المهمة، وهب الفرنسيون لإبداء التعاطف مع الكلب، وانتشر وسم على مواقع التواصل الاجتماعي الفرنسية بالملايين بعنوان "أنا كلب"، فيما شنت وسائل إعلام حملة مضادة لتكذيب العمل البطولي الذي قام به حارس أمن "إستاد دو فرانس" وهو مسلم اسمه زهير، والذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال".
ما بين الكلب ديزل وما بين الحارس زهير، وما بين الجهود الكبيرة التي يبذلها غالبية العرب والمسلمين لإثبات براءتهم من التهمة الجاهزة لهم بالتطرف والإرهاب وأنهم مدنيون ومتحضرون وضحايا أيضا للدعاية الصهيونية، تضيع الحقيقة في أروقة القرار العالمي لمواجهة التنظيمات المتطرفة، وهي أن شخصا واحدا أو عشرة أو ألف شخص معتوه ومنحرف لا يمثلون أمة بأكملها، بل إن هناك جهات رسمية في دول كبرى هي من تصمت أو تترك الباب مفتوحا لبروز منظمات ودول إرهابية ليعيثوا في العالم العربي أو في القارات الأخرى خرابا، ويتمددوا ويتضخموا على حساب الحقيقة الأصلية وهي أن العالم العربي هو أول ضحايا الإرهاب العالمي منذ الاستعمار حتى منظمات متشددة كالقاعدة وفراخها.
إن ما هو أخطر من عملية باريس، ومن مقتل 130 فرنسيا هي العقلية التي تدار فيها اللعبة العالمية لمواجهة الأخطار والإرهاب غير المعرّف، والأكثر خطورة هي الكراهية للإسلام والزج بالمسلمين جميعهم وبدينهم في خندق الاستعداء ونشر الأكاذيب عنهم وإلصاق أي تهمة ضدهم، وكأن أوروبا لم تكن هي المحرقة الكبرى لعشرات الملايين قبل سبعين عاما، وهذا ما سيعقد العلاقة بين الشرق المسلم والغرب المسيحي الذي بات التطرف يتضخم داخله، وقوانينه تمنع المواطنة المسلمة من حرية ارتداء الحجاب، ويخرج مرشح الرئاسة الأمريكية "دونالد ترامب" ليكشف عن النوايا الحقيقية لليمين المتطرف، حين قال إنه سيغلق المساجد ويشدد الرقابة عليها وعلى المسلمين هناك، وهذا الكلام لا يأتي صدفة.
ولنتساءل: هل ستبقى أوروبا آمنة ضد الهجمات لمجرد أنها تقصف مواقع داعش وغيرها في سوريا والعراق، أم أن حالة الاستعداء والكراهية التي باتت تضرب في المجتمعات الأوروبية ضد المسلمين هي التي ستخلصهم من الخطر الداخلي؟ حيث التمييز ضد المعتقد الديني يضرب على العصب الحساس لدى الشباب الأوروبي من الأصول العربية، وانفلات اليمين المسيحي ضد مبدأ الحريات الدينية التي بنيت عليها الدولة الفرنسية وجاراتها يقوض محاولات الاندماج مع المسلمين.
أعتقد أنه من غير المفيد الحديث بصوت العقل في جمهور من الغاضبين، ولن تجد التصريحات ورسائل التنديد والشجب العربية أي طريق لعقول المتعصبين في أوروبا وأمريكا، ولكن يجب أن يفهم الغرب أنه حان الوقت لعلاج جذري لمشكلتهم الحقيقية وهي مشاعر الكراهية والنظرة الدونية للإسلام، والتوقف عن تجريم المسلمين من خلال دمج حقيقي للمسلمين في مجتمعاتهم ومنحهم الحقوق الدينية كاملة كما لليهود والمسيحيين، وعدم الزج بالإسلام والعروبة في أتون حروبهم السياسية والاقتصادية ودعمهم للحكام الطغاة الذين لا دين لهم سوى الحكم.