مقالات مختارة

تلفيق الحل في سوريا

حسان حيدر
1300x600
1300x600
كتب حسان حيدر: شكلت اعتداءات باريس الإرهابية فرصة إضافية للدول الكبرى التي تضغط في اتجاه تلفيق حل في سورية يتجاوز كل الشعارات التي رفعت في السابق، ويجبر المعارضة على القبول بما يعرض عليها، ويتجاهل المسببات الفعلية للحرب الأهلية ودور نظام بشار الأسد في إطلاق دورة العنف المستمرة منذ قرابة خمس سنوات، ويتغافل عن العدد الكبير من الضحايا الذين سقطوا نتيجة رفض النظام وداعميه أي تغيير ولو طفيفا في تركيبته.

وفي سياق هذا التوجه، ظهر التنسيق واضحا بين الموقفين الروسي والأمريكي خلال قمة "مجموعة العشرين" في تركيا، ففي حين شدد الروس على ضرورة ان تتخلى فرنسا عن تمسكها بإزاحة الأسد بعد "غزوة باريس"، تولى الأمريكيون الضغط على "الائتلاف الوطني " السوري لعقد مؤتمر يتخذ قراراً بالتفاوض مع النظام وفق خريطة الطريق الغامضة التي رسمها اجتماع فيينا الأخير، والتي تحتمل أكثر من تأويل.

وبدا موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في انطاليا امتدادا بغيضا للشماتة التي أظهرها الأسد بتحميله فرنسا المسؤولية عن "تمدد الارهاب"، عندما قال إن تشددها في اعتبار رحيل الرئيس السوري شرطا مسبقا لأي تغييرات سياسية في سوريا "لم يحمها من الإرهاب"، وكأنه يقول إن اعتداءات باريس شكلت عقاباً ضمنياً للموقف الفرنسي المتمسك بـ "أمور ثانوية".

وسانده في موقفه أوباما الذي تحدث عن زيادة التنسيق والتعاون بين الولايات المتحدة وفرنسا في مواجهة "الدولة الاسلامية"، في تلميح الى ضرورة "تصويب" الموقف الفرنسي من الأولويات في سوريا.

وأثمرت هذه الضغوط، مضافا اليها فداحة حصيلة الاعتداءات، بداية تغيير عبر عنه الرئيس الفرنسي الذي قال إن "الأسد لا يمكن أن يكون حلا، لكن عدونا في سوريا هو داعش".

غير أن المواجهة مع تنظيم "أبو بكر البغدادي" تظل مجرد ذريعة أمريكية واهية لتبرير النأي بالنفس عن الإسهام في تغيير فعلي في سوريا. فالحملة الجوية التي يشنها تحالف بقيادة الولايات المتحدة لم تؤدّ إلى وقف تمدد التنظيم الارهابي على الارض في سوريا والعراق، ولا إلى وقف عملياته التخريبية في العالم، أو تقليل خطره الماثل على العواصم والدول، أو حتى استعراضاته الإعلامية.

كما أن الإحاطات التي قدمها معظم المسؤولين الأمريكيين أفادت بأن القضاء على "داعش" قد يستغرق عقدا أو أكثر، في ظل رفض واشنطن والدول الغربية عموماً نشر قوات على الأرض، وهو رفض كرره أوباما قبل يومين فقط معتبراً ان المواجهة مع "داعش" مختلفة ولا يمكن أن تتم بالمفاهيم العسكرية التقليدية.

أما الضغط الأمريكي على أنقره لإغلاق الحدود التركية مع سوريا في شكل كامل، فيهدف إلى مجرد تقييد حركة تهريب إرهابيي "داعش" في اتجاه اوروبا، بعدما تجاوز التنظيم في اعتداءات باريس "خطوطاً حمراً" ربما أحرجت واشنطن التي تعتبر أن معالجة مشكلته من مسؤولية دول المنطقة، داعية إياها إلى إرسال قوات برية لمحاربته.

ولهذا ليس مفهوما كثيرا لماذا الإصرار الشديد الآن على أن "لا صوت يعلو" فوق صوت الحرب على الإرهاب، إلا إذا كان الهدف تمرير تسوية في سوريا على حساب السوريين ومعارضتهم، تسقط من حسابها الثمن الباهظ الذي دفعوه لمجرد رغبتهم في أن تنطبق عليهم بديهيات حقوق الإنسان.
والخوف الكبير هو أن ما بدأ بالتراجع التدريجي عن المطالبة برحيل بشار الأسد قد ينتهي بالتخلي عن أي تغيير فعلي في النظام، ودائماً بحجة أولوية محاربة "داعش".

(عن صحيفة الحياة اللندنية- 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)
التعليقات (0)