مقالات مختارة

أوقفوا نزيف الدم

محمد عايش
1300x600
1300x600
كتب محمد عايش: هجوم إرهابي وبربري مرعب ذلك الذي حدث في باريس، أودى بحياة أبرياء لا علاقة لهم بالسياسة ولا الدين ولا الطوائف أو المذاهب، وكثير منهم ربما لا يعرف عن منطقة الشرق الأوسط شيئا، ولم يسمع لا ببراميل بشار الأسد، ولا بسكاكين أبو بكر البغدادي.. هم ضحايا الإرهاب ولا شيء غير ذلك، وقتلهم حرام في كل الشرائع الدينية والدنيوية.

تتوسع ظاهرة الإرهاب وتتسع رقعتها، والتنظيمات العنيفة تقوم بـ"عولمة الإرهاب" ليصبح عابرا للحدود والقارات ولا يكترث بالجغرافيا، فيما تؤكد الهجمات في باريس وعملية تفجير الطائرة الروسية، أن توسع الإرهاب مرده إلى بقاء منابعه التي تمده بالحياة، وهنا نتحدث تحديدا عن أنظمة الاستبداد العربية القميئة التي تمثل أكبر المصانع لإنتاج الإرهاب والعنف والتطرف في العالم.

تنظيم "داعش" أو حلفاؤه أو مبايعوه هم منفذو العمليات الإرهابية في باريس وسيناء وأماكن أخرى من العالم، لكن المسؤول عن ولادة التنظيم وتوسعه وانتشاره هو الأنظمة المستبدة والرجعية في العالم العربي، تلك الأنظمة التي انقضت على أحلام شعوبها وعلى صناديق الاقتراع، وبددت الآمال لدى رجل الشارع البسيط بالتغيير السلمي المتحضر، فتحول الإنسان المضطهد والمقموع في العالم العربي إلى مشروع إرهابي ما دامت الاحتجاجات السلمية وصناديق الاقتراع قد فشلت طوال السنوات الخمس الماضية في تحقيق أحلام الشباب، وزجت بالراغبين في التغيير بالسجون أو ترتكتهم تحت القصف والقمع والقتل.

تتحمل الأنظمة العربية المسؤولية الكاملة عن إنتاج "داعش" وغيره من أشكال الإرهاب الأعمى، ودليل ذلك أن النظام العسكري القمعي في مصر يعمل بكل ما أوتي من قوة وقمع واستبداد على الخلاص من الإرهاب في سيناء منذ أكثر من عامين، فإذا بالإرهابيين يفاجئوننا بأن عملياتهم انتقلت من الأرض إلى السماء، وأن قدراتهم تطورت من تفجير جيب عسكري إلى تفجير طائرة ركاب سياحية تقل المدنيين الأبرياء وأطفالَهم من الحالمين بالاستمتاع بشمس شرم الشيخ وشواطئها.

دلالات العمليات الإرهابية البربرية في باريس، والعملية البربرية التي استهدفت الطائرة فوق سيناء هي أن العالم فشل في محاربة الإرهاب وفي القضاء على "داعش"، وسبب الفشل أن العالم لم يستأصل المرض من جذوره، وإنما انشغل بقشوره. فمن يريد محاربة الإرهاب عليه أن يوقف توسع أنظمة الاستبداد العربية التي تقوم بثورات مضادة ضد شعوبها، وعليه أن يضغط على الأنظمة العربية من أجل الانصياع لصناديق الاقتراع والتوقف عن أعمال القمع والقهر والتسلط والاستبداد، والتراجع عن
الانقلابات العسكرية التي تدفع صغار العقول إلى اللجوء للإرهاب والعمل المسلح والعنف والتطرف.

المعادلة بسيطة وسهلة؛ مفادها أن التنظيمات الإرهابية تتغذى على المحبطين اليائسين من الشباب، الذين ما أتيحت لهم فرصة التغيير السلمي في بلادهم والمشاركة في العملية السياسية، كما أنها تتغذى على ضحايا القمع والقهر والاستبداد ممن أمضوا حياتهم، أو جزءا منها، في السجون أو تحت سياط الجلادين.

في العالم العربي اليوم ثمة ثلاثة أحداث منتجة للإرهاب والعنف والتطرف، أولها الانقلاب العسكري في مصر الذي لا يزال يحتجز أكثر من 42 ألف بريء في سجونه، لمجرد أنهم طالبوا بالتغيير السلمي في بلادهم، ونتيجة ذلك الانقلاب انتعشت ولاية سيناء التابعة لتنظيم "داعش"، حتى صارت أقوى من التنظيم الأم ذاته، في الموصل والرقة.

أما الحدث الثاني، فهو الثورة السورية التي بدأت سلمية، ثم تسلحت، فتحولت إلى حرب طائفية مدمرة، وهي الحرب التي بات يتوجب على العالم بأكمله أن يجتمع لوقفها، لأن إنهاء الحرب السورية المدمرة سوف يؤدي بالضرورة إلى انتهاء تنظيم "داعش" الذي يتغذى على صور المدنيين القتلى التي تنتجها هذه الحرب، بما فيها من براميل متفجرة.

الحدث الثالث والأخير هو الحرب اليمنية التي يشنها الرئيس السابق للبلاد ضد شعبه، بعد أن تحول من رئيس دولة الى زعيم ميليشيا تمارس الإرهاب والقتل.

القاسم المشترك الوحيد بين الأحداث الثلاثة المشار اليها هو أننا أمام "ثورة مضادة".. ثورات أنظمة مستبدة ضد شعوبها، وهذه الثورات المضادة لا يمكن إلا أن توسع من رقعة الإرهاب وأن تنعش المنظمات الإرهابية، ومن يرغب بمحاربة الإرهاب فعليه تجفيف منابعه، وتجفيف منابع الإرهاب لا يتم إلا بإنهاء عصر الأنظمة المستبدة، والايذان بتحول ديمقراطي حقيقي في العالم العربي.

(عن صحيفة القدس العربي اللندنية)
التعليقات (0)