يكاد يتخصص في مهاجمة المملكة العربية السعودية بسبب قيادتها لتحالف "عاصفة الحزم" لمواجهة انقلاب الحوثيين والمخلوع علي عبدالله صالح في اليمن، وأيضا على خلفية الموقف من النزاع في سوريا، وأخيرا مقتل عشرات الحجاج في منى.
يُقال إنه كان المنفذ الأصلي لخطة وصول محمود أحمدي نجاد إلى الحكم لمرة ثانية بعد ما قمع المظاهرات التي شهدتها
إيران عقب الانتخابات الرئاسية عام 2009، داعيا إلى تعبئة أنصار التيار المحافظ المتشدد ضد الإصلاحيين إلى حد أنه روج لثقافة الاستشهاد.
تتهمه المعارضة الإيرانية بأنه وراء الكثير من عمليات الحرس الثوري السرية في الخارج، وكانت النمسا اتهمته في قضية اغتيال زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني عبد الرحمن قاسملو في تموز/ يوليو عام 1989.
يقود ثلاث معارك مدمرة على الأقل في ثلاث دول عربية، ويتدخل سياسيا في معظم دول الجوار.
يدين ومؤسسته بالولاء المطلق للمرشد الأعلى وللنهج الصدامي الذي تنهجه المجموعة المحيطة بالمرشد، وقد وصف الدفاع عن النظام الإيراني بأنه "أهم من أداء الصلاة".
الفريق محمد علي
جعفري المولود عام 1957 في مدينة يزد، يعرف أيضا بعزيز جعفري أو علي جعفري، التحق عام 1977 بجامعة طهران لدراسة الهندسة المعمارية، وفي الجامعة بدأ دوره السياسي حين شارك في الاحتجاجات المناهضة للشاه في طهران، واعتقل وسجن على أثرها.
في بداية الثورة شارك مع علي رضا أفشار، المساعد السياسي لوزارة الداخلية، باقتحام السفارة الأمريكية، واحتجاز 52 دبلوماسيا أمريكيا لمدة 222 يوما.
في بداية حرب الخليج الأولى التي تعرف أيضا باسم "الحرب العراقية الإيرانية" شارك كمجند متطوع في "قوات التعبئة العامة" المعروفة باسم "البسيج".
في الحرب (1980- 1988)، قاد جعفري "معسكر غرب" و"معسكر نجف"، إلى جانب اشتغاله بمناصب أخرى كقائد لواء "عاشورا" ومساعد الحرس في مدينة تستر وقائد "معسكر القدس".
وأثناء مشاركته في عمليتي "كربلا 4 و5" أصيب بجروح، وهذه الحادثة سجلت له نقطة حساسة في ملفه الحربي وساعدت في ترقيته.
وانتقل بعدها إلى الأركان العامة ليكون مساعدا ثم نائبا للرئيس فيها. بعدها ارتقت رتبته العسكرية لتصل إلى قائد قوات البرية لـ"الحرس الثوري" وبقي في هذا المنصب لمدة 13عاما.
ومع انتهاء الحرب عاد إلى الجامعة لإكمال تعليمه، وحصل في عام 1992 على شهادة البكالوريوس منها.
وبعد فترة من الزمن عمل في "الحرس الثوري الثقافي"، إلى أن صار عضوا في استخبارات "الحرس الثوري" بمحافظة كردستان.
عين في أيلول/ سبتمبر 2007 قائدا لـ"الحرس الثوري" خلفا للفريق يحيى رحيم صفوي الذي رفع إلى درجة معاون ومستشار لقائد الثورة.
تعيين عزيز في هذا المنصب جاء بأمر شخصي من المرشد الأعلى في إيران علي
خامنئي.
ذلك الجيش الذي تأسس بأمر من
الخميني في أيار/ مايو عام 1979، والذي بلغ تعداده 125 ألف عنصر يأتمرون مباشرة بـ"المرشد الأعلى للجمهورية".
و"الباسدران" هو الذراع الضارب لسلطة "الولي الفقيه" من الداخل والخارج، خصوصا جناحه العسكري (قوة القدس).
وتشير التقارير الغربية إلى أن البرنامج النووي الإيراني بشقيه المدني والعسكري يخضع من حيث الإشراف التخطيطي والتنفيذي لقائد "الحرس الثوري" جعفري، مثلما كان خاضعا لسلطة سلفه محسن رضائي.
جعفري الذي أفقدته القوة العسكرية والاقتصادية لـ"الحرس الثوري" الكياسة واللباقة لا يغلف كلامه بأي قشور أو مصطلحات سياسية، ويقول كلاما أقرب إلى لغة رجل الشارع، فهو يصف السعودية مثلا بأنها "انتهكت بكل وقاحة جميع التعاليم الإسلامية، وهاجمت دولة تسعى إلى الاستقلال وتقف في وجه نظام الهيمنة"، على حد زعمه.
مضيفا أن "مناوئي الثورة الإسلامية، ينكشفون يوما بعد يوم، وهم لا يستطيعون بعد الآن الاختباء خلف قناع النفاق"، بحسب تعبيره.
وقال إن موجة الثورة الإسلامية "ستؤدي إلى انهيار آل سعود، كما تسببت الثورة الإسلامية بانهيار الاتحاد السوفييتي".
وهو يرى أنه حصل "تلاحم بين شعوب في إيران والعراق وسوريا واليمن"، مؤكدا أن هدف الثورة الإسلامية هو صنع "الحضارة الإسلامية".
وهو لا يتوانى عن شحن الأجواء لجر المنطقة إلى حرب إقليمية مدفوعا بغضب على العرب معتبرا أن "الحرس الثوري جاهز بانتظار الأوامر لاستخدام كل طاقاته المتاحة لتوجيه الرد السريع والعنيف، في سياق تحقيق مطلب قائد الثورة الإسلامية لدفع النظام السعودي إلى تحمل المسؤولية تجاه كارثة منى الرهيبة واستعادة حقوق الحجاج الضحايا".
ويعترف جعفري بمصطلح "الهلال الشيعي في المنطقة" الذي يرى أنه يتوسع، مشيرا إلى أنه يشمل إيران والعراق ولبنان وسوريا واليمن ودولا أخرى، دون أن يسميها.
ويقدم تصريح جعفري دليلا إضافيا على أن مخاوف دول الجوار العربي من التمدد الإيراني في المنطقة ودعواتها المتكررة إلى ضرورة التصدي إليه، ليس أمرا مبالغا فيه وإنما حقيقة تنفذ على الأرض.
وأشار إلى "تبلور الهلال الشيعي بعد الحوادث الأخيرة"، مؤكدا أنه "عندما يتم الحديث عن نمو الهلال الشيعي فإن ذلك بمثابة السيف الذي يتم غرسه في قلب إسرائيل".
جعفري يبرر جميع الحروب الطائفية في المنطقة دون أن يبدي أي ندم أو تراجع عن الاستمرار في إشعالها، فقد نشرت مصادر إعلامية قوله إن "الحروب الأخيرة في المنطقة تمت لمصلحة المسلمين المقاومين المناصرين للثورة الإسلامية"، في إشارة ضمنية إلى الجماعات الشيعية المدعومة من إيران في أكثر من بلد عربي.
ويقول مراقبون إن إيران هي التي تشرف عمليا وبشكل مباشر، على إدارة الحروب التي يخوضها شيعة موالون لها ضد خصومهم في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
وإضافة إلى تسليح المليشيات الشيعية، فقد أرسلت طهران قادة عسكريين بارزين لإدارة المعارك على جبهات عراقية وسورية، وأعلن أكثر من مرة عن مقتل قادة عسكريين إيرانيين برتب عالية في العراق وسوريا.
ويعتبر قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" وهي فرقة تابعة لـ"حرس الثورة الإسلامية"، القائد العسكري المركزي لمعركة إيران الطائفية العابرة للدول العربية والهجوم المتواصل على المنطقة، وفي أكثر من جبهة.
ويواصل جعفر اعترافاته غير مكترث بالفوضى التي تحدثها، يقول: "إن إيران نظمت 100 ألف من القوات الشعبية المسلحة المؤيدة للنظام السوري وللثورة الإسلامية الإيرانية ضد المعارضة السورية، وذلك في إطار جبهة المقاومة".
وهو ما تنفيه طهران سياسيا وإعلاميا، مؤكدة أنها تقدم الاستشارة فقط لنظام بشار الأسد.
ويتمدد المارد الإيراني ليصل إلى البحرين، حيث لا يخفي القادة الإيرانيون دعمهم لبعض الجماعات التي ترفض كل سبل الحوار مع السلطات الحاكمة رغم ما تقدمه لهم من تنازلات.
وتقديرا لخدماته ودوره العسكري والأمني والاستخباراتي، فقد منحه خامنئي رتبة لواء، وجاء في رسالة خامنئي إلى جعفري بعد الترقية والتعيين: "نظرا لخبرتك القيمة وماضيك المشرف في مختلف الأوقات ومسؤولياتك العديدة في الحرس فقد عينتك قائدا أعلى لهذه المنظمة الثورية".
ومنذ أن تسلم قيادة "الحرس الثوري"، فقد أجرى جعفري في حزيران/ يونيو عام 2008 تغييرات واسعة في قوات "النخبة" بإنشاء 31 فيلقا عسكريا تتوزع على محافظات إيران بمعدل فيلق لكل محافظة، يتمتع بمقدرات قتالية كافية.
وتنشط "قوات القدس" التابعة لـ"الحرس الثوري" في العراق نشاطا غير مسبوق، إذ تسللت إلى الوزارات والمؤسسات الأمنية ومجلس النواب، بتنسيق مع أتباع إيران في الحكومة العراقية.
وقد وصف جعفري حكومة المالكي بأنها "المعجزة التي لا سابق لها في التاريخ". وهي الحكومة التي وقعت في عهدها أوسع عمليات القتل الطائفي في العراق على يد فرق الموت الطائفية التي ولدت من رحم حكومة المالكي، والحكومة التي أضاعت أكثر من 300 مليار دولار من أموال الشعب العراقي.
وتحول "الحرس الثوري" تحت قيادة جعفري إلى مؤسسة قمعية ربطت وجودها بالولاء المطلق للقيادة الدينية في طهران، وباتت تمارس العنف بمواجهة المعارضين، الأمر الذي جعلها تفقد ذلك البريق الثوري الذي منحه الخميني لها منذ التأسيس.. فذريعة العداء لـ"الثورة الإسلامية" لم تعد تصلح بعد التطورات التي شهدتها الساحة الإيرانية منذ وفاة خميني.
لكن "الحرس الثوري" الذي يسيطر على أكثر من ثلثي الاقتصاد الإيراني ويتفوق على المؤسسة العسكرية الإيرانية الرسمية، ويحظى بدعم خامنئي والمؤسسة الدينية لن يتنازل عن برامجه وخططه لأحد.
والأخطر أن "الحرس الثوري" وقائده محمد علي جعفري وحدهم يقررون من سيكون المرشد الأعلى للثورة بعد رحيل خامنئي، وهم على أتم الاستعداد للقتال للحفاظ على المكتسبات والقوة، تماما كما هو حال العسكر في مصر وسوريا الذين يرفضون تسليم السلطة حتى وإن دخلت البلاد في حرب أهلية أو إقليمية طاحنة.
وبين اختيار المرشد الجديد، وبين الحروب الطائفية، والاتفاق النووي مع الغرب، فإن "الحرس الثوري" ينتظر صفقة ما، أو الجائزة الكبرى، لكن هذه المرة ليس من المرشد الأعلى، وإنما من الغرب!