قضايا وآراء

سجناء مصر.. القتل البطيء يغذي الدعشنة

قطب العربي
1300x600
1300x600
في حوار تلفزيوني مع قناة "بي بي إس" الأمريكية  يوم الثلاثاء الماضي زعم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي أنه لايوجد أي شخص في مصر رهن الاعتقال" وأنه لايوجد إجراء قانوني في مصر يسمح باعتقال الأفراد، السؤال هنا هل يظن السيسي أن مشاهدي القناة صدقوه في زعمه هذا كما يصدقه دراويشه عادة في أي كلام يقوله؟ حتى أنه أوهمهم بجهاز يشفي من كل الأمراض وقناة بحرية جديدة، وعاصمة جديدة للبلاد، الخ .

يستحضر السيسي دوما أشباح مؤيديه وهو يخاطب العالم الخارجي، فيتصور أن كلامه عن قناة جديدة سيجد ترحيبا وثناء عظيما كما يحدث في مصر، ويتصور أنه حين بتحدث عن خلو سجونه من المعتقلين سيصدقه العالم، ويكذب الواقع الذي يراه الجميع رأي العين، والذي رصدته ووثقته منظمات حقوقية عالمية كبرى مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي إنترناشيونال، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان إلخ، وجميعها سجلت أن السجون المصرية تكتظ بأعداد تفوق الأربعين ألف سجين تتزايد يوميا.

دعك من تلاعب السيسي بالألفاظ  حيث يستخدم لفظ المعتقلين ليؤكد أنه لايوجد معتقل باعتبار أن الإعتقال هو حالة قانونية تتم وفقا لقانون الطوارئ، بينما الأربعين ألف سجين هم محبوسون بأوامر حبس إحتياطي أو بأحكام محاكم، فالجميع يعرف أنه لا فرق البتة في دولة السيسي بين أوامر اعتقال تصدرها وزارة الداخلية تطبيقا لحالة الطوارئ ويصير المقبوض عليه بموجبها معتقلا، وبين قيام وزارة الداخلية بالقبض على الآلاف وتلفيق إتهامات باطلة لهم وعرضهم على النيابة بموجبها التي تنتظر قرارها أيضا من ضابط الأمن الوطني سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، إذن الجميع يعرف أن السجون المصرية تضم أكثر من 40 أو 50 ألفا من السياسيين الذين يطالبون بالحرية والديمقراطية، ولايهم بعد ذلك الناحية الشكلية سواء مجرد أمر اعتقال وفقا لحالة الطوارئ أم قرار حبس تجريما لعمل سياسي مشروع .

من المؤسف أن تتحول قضية المعتقلين إلى مجرد رقم مجرد من المعاني الإنسانية، فنحن نتحدث عن ارتفاع أعداد المعتقلين إلى 40 أو 50 أو 60 أو حتى مائة ألف، وننسى أن حبس شخص واحد ظلما كفيل بإهلاك دولة، وقتل منظومة العدالة بأكملها، كيف لا والمظلوم صاحب دعوة لاترد ليس بينها وبين الله حجاب، وكيف لا والعدالة لايضرها إفلات 99 مجرم من العقاب، بقدر ضررها من سجن مظلوم واحد.. لنتجنب إذن الحديث الرقمي ولنتذكر أن كل هؤلاء السجناء السياسيين حبسوا بسبب دعوتهم وتحركهم من أجل حريتهم وحرية وطنهم وعزته وكرامته، حبسوا دفاعا عن إرادتهم وثورتهم، وهي أسباب لاتوجب الحبس بل التكريم والتمجيد.

ما الجرم الذي ارتكبه الرئيس محمد مرسي حتى يوضع في السجن، وتصدر ضده أحكام الإعدام والمؤبد سوى أنه تولى السلطة بطريقة ديمقراطية تخالف ما درج عليه العسكر في بلادنا؟  وما الجرم الذي ارتبكبه الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان حتى يحبس ويهان في محبسه، وهو الشيخ الجليل والعالم الفذ وصاحب المقولة الفاصلة "سلميتنا أقوى من الرصاص"، ثم ما الذنب الذي ارتكبه الدكتور محمد البلتاجي الذي يمكن وصفه بأبرز قادة ثورة 25 يناير، حتى ينكل به وبأسرته في غياهب السجون، ويتم الحكم عليه بالحبس 215 سنة بخلاف أحكام الإعدام، ويحبس نجله أنس لمدة عامين محروما من دراسته قبل أن يحكم عليه بالسجن 5 سنوات، ليلحق به شقيقه الأصغر خالد طالب الثانوي وليحبس مع 80 جنائيا في زنزانة صغيرة، ودون أن يوجه له مثل أخيه اتهام سوى أنهما نجلي البلتاجي الذي فقد ابنته الوحيدة أسماء في مذبحة فض رابعة، واضطر نجله الأكبر عمار للهجرة خارج البلاد، ولتبقى الأم وحيدة تنتظر أيضا الحبس بعد توجيه اتهامات هلامية لها.

لنترك هؤلاء الرموز ولنتذكر آلاف السجناء البسطاء الذين لايهتم بهم الإعلام كثيرا، فهذا عامل بسيط  وذاك معلم أو مهندس وتلك فتاة أو سيدة، وأولئك طلاب حرموا من دراستهم، وموظفون فصلوا من وظائفهم، لايكتفي الطغاة بسجنهم وتعذيبهم وحرمانهم من الدواء والغذاء والأغطية والكتب والصحف، بل يحرصون على تعذيب ذويهم، ويحولون زيارتهم لهم إلى جحيم بدءا من الحصول على تصريح الزيارة ومرورا بطريق الوصول إلى السجن والإنتظار ليوم كامل على أبوابه ليأتيهم الرد في نهايته أن الزيارة ممنوعة رغم حملهم لتصريح رسمي، وهذا ما تكرر على مدار الأيام والشهور الماضية لآلاف السجناء وآلاف الأسر، وبعد كل ذلك تدعي بعثة مجلس حقوق الإنسان أن كل شيء في السجون على ما يرام!!.

320 سجينا وفقا  للتقارير الحقوقية فقدوا حياتهم داخل الزنازين منذ انقلاب الثالث من يوليو حتى الآن  منهم 30 في أغسطس الماضي فقط عبر #القتل_البطيء، وذلك بحرمانهم عمدا من الأدوية الضرورية  ومن التريض ومن إجراء الجراحات العاجلة لهم حتى لو كانت على نفقتهم الشخصية، هذا رقم ضخم ينبغي أن يهز ضمير العالم الحر، ويدفعه للتحرك لإنقاذ بقية السجناء من المصير ذاته احتراما لحق الحياة ولكرامة الإنسان، فإن لم تكن هذه أو تلك فصونا للاستقرار العالمي ذلك أن استمرار هذا النهج سيصنع المزيد من العنف والإرهاب الذي لن يقتصر على السجانين وزعيمهم، بل سيمتد إلى من يرعاهم ويدعمهم بالمال وأدوات التعذيب والقهر، ويشجعهم على التنكيل بالخصوم السياسيين .

إذا كان العالم يعاني الآن بالفعل من ويلات حرب العصابات مع داعش وأخواتها في بلدان مختلفة، فإن عليه أن يمنع تكاثر داعش وأخواتها، والذي يجد بيئة خصبة في سجون السيسي ..أوقفوا # القتل_ البطيء.
0
التعليقات (0)