نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا عن شيطنة المسلمين في الولايات المتحدة، وتصريحات المرشح المحتمل للرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري بن كارسون، التي قال فيها إن المسلم لا يمكنه أن يكون رئيسا للولايات المتحدة.
وتقول الصحيفة إن تصريحات كارسون لم تأت من فراغ، ولكنها كانت مثالا واضحا للتسامح مع ظاهرة
الإسلاموفوبيا في السباق الرئاسي عند الجمهوريين، حيث أن آراء "حزب الشاي" أصبحت هي السائدة في التيار الرئيسي.
وتضيف الصحيفة: "قبل ذلك بأيام رفض المرشح الآخر ترامب أن يصحح شخصا ادعى أن المسلمين أنشأوا مخيمات تدريب في أمريكا، وسأله: (متى يمكننا التخلص منهم)، فأجابه قائلا: (سندرس الكثير من الأمور المختلفة). ونأى جمهوريون آخرون بأنفسهم عن مواقف كارسون وترامب، ولكن على مضض".
ويشير التقرير إلى أنه بالنسبة للمسلمين، الذين عاشوا 14 عاما من الشيطنة بعد 11/ 9، فإن تلك التعليقات كانت بمثابة الملح في الجرح المفتوح.
وتلفت الصحيفة إلى فتاة مسلمة اسمها آية بيضون تطمح لأن تكون رئيسة للولايات المتحدة، ولكن العقبة التي ستواجهها في أمريكا ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر، هي أنها مسلمة.
ويذكر التقرير أن بيضون فتاة ذكية وطموحة، وطالبة تحصل على أعلى العلامات، وتخطط لأن تدرس الحقوق وتدخل مجال السياسة من هذا الباب، وهي رئيسة نادي السياسة في مدرستها، ولكن مشكلتها على الأقل، بحسب كارسون، هي أنها مسلمة.
وتورد الصحيفة إن آية عمرها 17، وتعيش في بلدة ديربورن في ولاية ميتشيغان، وعندما تذكر كارسون، طبيب الأطفال المتخصص في جراجة الأعصاب، الذي درس الطب في جامعة ميتشيغان ليس بعيدا عن مكان إقامتها، تتغير نبرتها، فقد شاهدته هي وأمها، التي هاجر والداها من لبنان في السبعينيات بسبب الحرب الأهلية، يوم الأحد، وسمعته يقول على قناة "إن بي سي" إن الإسلام لا يتواءم مع الدستور الأمريكي، ولذلك فهو لا يؤيد وجود رئيس مسلم للبلاد.
وينقل التقرير عن الفتاة قولها إنها تشاهد الكثير من الأشياء السيئة على التلفزيون، وتضيف: "لكن هذا الأمر آلمني، إنه يتحدث عني، أنا عندي من العلم ما يجعلني أدرك أن ما يقوله مناف تماما للدستور، ولكن ماذا عن بقية الأطفال في المنطقة التي أعيش فيها، الذين لا يعرفون ذلك؟ قد يعتقدون بأن عليهم الكذب أو إخفاء دينهم، وقد لا يحققون أحلامهم".
وتبين الصحيفة أن مدينة ديربورن، التي تعيش فيها بيضون، اعتادت على جو انتشرت فيه الإسلاموفوبيا، ويعيش في هذه الضاحية من ديترويت حوالي 96 ألف نسمة، ثلثهم من أصول عربية.
ويوضح التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن كثيرا من سكان الضاحية هم من أبناء وأحفاد العمال الذين هاجروا إلى المدينة للعمل في مصانع السيارات في بدايات القرن العشرين، وغيرهم مثل عائلة بيضون، كانت هجرتهم فرارا من الحروب، بما في ذلك غزو جورج بوش الابن للعراق. مشيرا إلى أن هذه المدينة تضم أكبر مسجد في أمريكا الشمالية، وتشكل مثالا على تغير العلاقة بين المسلمين والجمهوريين في السنوات الآخيرة.
وتقول الصحيفة إنه في انتخابات عام 2000، مثل معظم سكان ديربورن، صوتت والدة آية لجورج بوش، منجذبة إلى سياسات حزبه العائلية المحافظة. لافتة إلى أن بوش قد حصل على 54% من أصوات المدينة، ولكن بعد 4 سنوات، وبعد هجمات 11/ 9، وقانون الوطنية وبدء الحرب العراقية، خسر بوش أعدادا كبيرة من أصوات المسلمين.
ويفيد التقرير بأنه في عام 2004 تراجعت شعبية بوش في ديربورن، وأصبحت هذه المدينة بعدد سكانها المسلمين، تستخدم مثالا لبعبع يخوف به المتطرفون المسيحيون والمحافظون الشعب الأمريكي، ويقولون عنها المدينة التي تطبق الشريعة، وإنها مرتع النشاط الإرهابي. وليس أي من هاتين التهمتين صحيحا.
وتذكر الصحيفة أنه في مطعم الشيشة المحلي، حيث تعمل والدة آية بيضون على مدى 16 عاما، فإن هذه الصور النمطية تعد مضحكة. فمدخل المطعم مزين بالقرع؛ تحضيرا لاحتفالات الهالاوين، والبناية الملاصقة له عبارة عن بار.
وينقل التقرير عن والدة آية قولها إنها أخطأت خطأ فادحا عندما صوتت لبوش عام 2000، وأضافت أن "المدينة كانت أكثر انفتاحا على المسلمين في سبعينيات القرن الماضي، وكان الناس يسألوني من أين أتيت، ويسألون عن مأكولاتنا، وتقبلونا على ما نحن عليه، ولكنهم هذه الأيام، للأسف، ليسوا كذلك".
وتشير الصحيفة إلى أنه على بعد أميال يقع مكتب رئيسة فرع ميتشيغان للجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز فاتنة عبد ربه، وهناك تحذير للزوار يمنع إدخال أجهزة التسجيل كلها دون إذن مكتوب مسبق. وتقول عبد ربه مشيرة إلى أن البناية قد تكون مراقبة: "هناك شعور يبعث على القشعريرة في هذا المكان، تشعر الجالية هنا بأنها مرصودة من المخابرات بالتأكيد".
ويبين التقرير أن مدينة ديربورن تحتوي على أكبر نسبة من السكان الموجودين على قوائم رصد الإرهاب، بحسب وثائق مسربة من مكتب التحقيقات الفيدرالية. كما أن تحليلا لمعطيات الطيران التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي يشير إلى أن طائرة مرتبطة بعمليات مكافحة الإرهاب طارت سبع مرات فوق المدينة خلال أسبوع واحد، ولم يقدم المكتب أي توضيح للهدف من هذه الرحلات.
وتنوه الصحيفة إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالية لا يشعر بالحاجة للاعتذار لتركيزه على المسلمين بعد أحداث 11/ 9، وكان في الواقع يدرس ضباطه العاملين في مكافحة الإرهاب بأن الإسلام بذاته هو مشكلة جذرية تواجه الأمن القومي الأمريكي.
ويورد التقرير أن عبد ربه تقوم بمساعدة ضحايا العنصرية في تلك المنطقة والمناطق المحيطة، مثل السيدة ذات 34 عاما، التي فرض عليها ضباط الشرطة نزع حجابها بعد ادعائهم بأنها ارتكبت مخالفة مرورية عادية، أو طالب المدرسة الذي يدعوه الطلاب في مدرسته "إرهابيا داعشيا" وغيرهما.
وتكشف الصحيفة عن أن جريمة الكراهية ضد المسلمين قد زادت في أمريكا بعد هجمات 11/ 9 بنسبة 160%، بحسب إحصائيات مكتب التحقيقات الفيدرالي، ويبقى اليوم حوالي 3 أضعاف ما كان عليه قبل عام 2001.
ويجد التقرير أنه بالرغم من أن تعامل
أوباما مع المسلمين يختلف بشكل جذري عن منافسيه الجمهوريين، إلا أن مقارباته عادة ما تصيب المسلمين بخيبة الأمل والإحباط. ويبقى الشعور السائد بين غالبية المسلمين هو الشعور بالحصار والإجباط؛ بسبب ما يرونه من ازدواجية للمعايير في تطبيق القوانين. ففي شهر شباط/ فبراير، رفضت محكمة في تشابيل هيل اعتبار الجريمة التي ذهب ضحيتها ثلاثة مسلمين أنها كانت بدافع التعصب.
وتستدرك الصحيفة بأنه وبالرغم من كل شيء يبقى كثير من المسلمين في أمريكا متفائلين. فعلى سبيل المثال، فيصل عبد الرؤوف، الذي أثار ضجة عندما اقترح إقامة مسجد على أنقاض مركز التجارة العالمي، حيث واجه انتقادات شديدة، ولكنه يقول إن تجربته كانت إيجابية بشكل عام، وإنه تلقى الكثير من رسائل التشجيع من مسيحيين ويهود بل وملحدين.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن عبد الرؤوف قال للصحيفة في مقابلة على الهاتف من ماليزيا بأن الأمريكيين لا يصدقون الكلام الذي يشيعه السياسيون ضد المسلمين، "فهم لا يصدقون أن الإسلام والمسلمين يشكلون خطرا على بلدهم، نحن
المسلمون أكبر الضحايا للتنظيمات مثل تنظيمي الدولة والقاعدة".