بدأت الفكرة عندما لقي الشاب السوري المغترب حسان سفلو، صديق الناشط السوري سارية البيطار، مصرعه في التفجير الذي استهدف قادة حركة أحرار الشام في رام حمدان في ريف إدلب قبل عام من الآن، ليقرر البيطار إطلاق حملة "
الهجرة العكسية" للعودة إلى
سوريا مع تزايد أعداد المهاجرين منها.
مصرع سفلو الذي عاد مع بداية الثورة السورية ليدافع عن بلد لا تربطه فيه إلا رابطة الدم فقط، فهو المولود في المملكة العربية السعودية لأب سوري فر من بطش النظام السوري منذ ثمانينيات القرن الماضي، شكل دافعا قويا لصديق طفولته المهندس المعماري سارية البيطار، المولود في الغربة أيضا، لفعل شيء ما.
ومع تسليط الأضواء في الآونة الأخيرة على مأساة
اللاجئين السوريين في أثناء رحلتهم إلى البلدان الأوروبية، قرر البيطار إطلاق وسم "الهجرة الصحيحة" أو "الهجرة إلى الوطن" على وسائل التواصل الاجتماعي.
لا يريد البيطار، الذي يتردد على الشمال السوري من فترة لأخرى، أن يردع السوريين عن الهجرة، بل يخاطبهم بالقول: "في الوقت الذي يتركون فيه بلادهم، هناك شبان من أبناء سوريا في المهجر لا يعرفون عن وطنهم إلا اسمه، ومع ذلك هم تركوا حياة الرفاهية وقدموا للموت على أرض الآباء".
وبعد أن تعهد البيطار بالتفرغ للقضية السورية وترك عمله في مجال هندسة العمارة ومغادرة المملكة بشكل نهائي، قال لـ"عربي21": "لن يهنأ السوري بحياته خارج وطنه، ولهم فينا خير دليل على ذلك، فإن استطاعوا هم العيش هناك فلن يستطيع أولادهم نسيان هذه البلاد"، حسب تعبيره.
وهنا يسرد البيطار حكاية تحايل الشاب السوري ضياء البسطي، المولود في مدينة الرياض والمتخرج من كلية هندسة الطيران بالأردن، على أبويه للذهاب إلى مدينة حمص مسقط رأسه.
ويوضح البيطار لـ"عربي21" كيف باع البسطي سيارته الشخصية، للحصول على تأشيره خروج للالتحاق بكتائب الفاروق، إلى أن قتل في معارك بابا عمرو في حمص. ويعقب بالقول: "كانت حالة ضياء المادية ممتازة، لكن غيرته على الأرض دفعته لرمي ملذات الحياة وراء ظهره".
وفي تدوينة معنونة بـ"شهيد وابن شهيد"، يحكي البيطار فيها عن السوري المغترب محمد الجاسم، وولده محمود.
فبعد أن فر محمد الجاسم، ابن الجولان، من بطش حافظ الأسد في الثمانينيات من القرن الماضي، عمل مدرسا في إحدى مدارس الطائف في السعودية، وعند اندلاع الثورة السورية قرر الهجرة مع ابنه بعد أن أتمّ الابن تعليمه الثانوي، ومن ثم التحق الأب والابن في صفوف الجيش السوري الحر، وخاضا معارك في منطقة الحجر الأسود في ضواحي العاصمة دمشق، إلى أن قتل الابن في المعارك، بينما قتل الأب في أقبية فروع الأمن التابعة للنظام السوري بعد تعرضه للاعتقال.
ويقول البيطار: "شبان لا يزالون على قيد الحياة، لكن الخوف من المشاكل يمنعني من نشر قصصهم" حسب قوله.
ويروي في قصة أخرى حكاية نور السورية، المولودة في قطر وخريجة كلية العلوم، وقد توفي والدها بعد ولادتها بفترة. ويقول: "بعد اندلاع الثورة قررت نور الهجرة إلى حلب، وعملت في المجال الطبي، وحاليا أخبارها منقطعة ووالدتها توفيت بعد مدة من سفرها".
وفي انتقاد واضح لما يراه اختصارا للمأساة السورية بمأساة المهاجرين، يتساءل البيطار: "لماذا لم تسلط أجهزة الإعلام الضوء على هؤلاء الأبطال الذين هاجروا الهجرة الصحيحة؟"، حسب تعبيره.
وسرعان ما لاقت صفحة البيطار تفاعلا واضحا، حيث أبدى الكثير من السوريين تفاعلهم مع الوسم الذي أطلقه.
وكان المستشار القانوني للجيش الحر، أسامة أبو زيد، من أوائل المتفاعلين، حيث كتب على صفحته الشخصية على فيسبوك: " تابعوا حساب الأخ سارية البيطار" فهو يسلط الضوء على قصص السوريين الشجعان الذين هاجروا إلى الوطن، و تركوا أعمالهم وحياتهم في أوروبا والخليج، وعادوا إلى سوريا لحمايتها بأرواحهم وعلمهم ومستقبلهم وأموالهم، شكرا سارية على جهدك المميز وعلى تسليط الضوء على الجنود المجهولين".
بدوره كتب "بدر الدين" معبرا عن خجله من بطولات هؤلاء: "والله الواحد صار يخجل من حالو".