عندما أصبح الاتفاق النووي الإيراني واقعا في منتصف شهر يوليو الماضي سمعنا الكثير من الكلام، سمعنا الكثير من الكلام عن إمكانيّة حصول تحوّل في سلوك إيران الإقليمي في المنطقة. وسارع البعض مسلّحا بالتفاؤل وبـ"التفكير بالتمني" -كما يقال- إلى اعتبار أنّ المنطقة ستشهد انفراجات قريبة أبرزها في الملف السوري، لكن على ما يبدو، فإن المسؤولين الإيرانيين يصرون دوما على أن يخيّبوا ظن هؤلاء المتفائلين.
قبل عدّة أيام فقط، انتقد وزير الخارجية الإيراني "المعتدل" محمد جواد ظريف أولئك الذين يطالبون باستقالة الأسد قائلا إنّ هذه المطالب من شأنها أن تطيل الحرب وأن أولئك الذين يطالبون بخروج الأسد مسؤولون عن حمام الدم الذي يحصل في سوريا. طبعا مثل هذا التصريح من شأنه أن يقطع أي أمل بتوقع تحوّل حقيقي في الموقف الإيراني خاصّة أن الأسد كان قد حصل على خط ائتماني من قبل النظام الإيراني بقيمة مليار دولار وذلك قبل أيام فقط من التوصل إلى الاتفاق النووي.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تبيّن أن المبادرة الجديدة التي قيل إن الجانب الإيراني يسعى للتسويق لها إقليميا ودوليا لم تحمل حقيقة أي جديد بالشأن السوري، بل على العكس فهي كانت تصر على المنطق الإيراني المعروف المتمسك ببقاء الأسد مع بعض التعديلات التقنية بهدف التجميل.
من أهم التطورات خلال الأيام القليلة الماضية، ما أكّدته عدّة مصادر حول إرسال طهران حوالي ألف جندي من قوات النخبة في الحرس الثوري إلى اللاذقيّة للتمركز هناك إلى جانب قوات روسية قامت موسكو بإرسالها تباعا لاسيما في بداية الشهر الحالي. المفارقة في ما يتعلق بعلاقة الاتفاق النووي بالتحركات الإيرانية الحالية في سوريا أن طهران لم تنتظر حتى أن يقوم الرئيس الأمريكي بتحصين الاتفاق، فاستبقته بخطوتين:
إرسال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني إلى موسكو للتباحث على الأرجح في شأن كيفية دعم نظام الأسد في خرق واضح للعقوبات الأمريكية والأممية المفروضة على قاسم سليماني.
اتخاذ القرار بإرسال قوات عسكرية إيرانية رسمية إلى جانب روسيا لمساندة الأسد.
الإجراء الأول يعني التأكيد على حقّ إيران بتفسير ما جاء في الاتفاق النووي بما يتماشى مع أهوائها وأخذ ما يناسبها وترك ما يناسبها على اعتبار أن الاتفاق وإن ذكر بأنه سيزيل العقوبات عن سليماني والحرس الثوري إلا أن ذلك لن يتم إلا على مدى 8 سنوات على أبعد تقدير.
أما الإجراء الثاني، فهو يعني أن نظام الملالي أصبح متأكدا تماما من أن إدارة أوباما وضعت نفسها في زاوية ضيّقة وانّ قدرتها على المناورة أصبحت محدودةّ، وبالتالي فإن إيران لن توفّر جهدا لابتزاز الجانب الأمريكي الذي يحرص على أن يبقى الاتفاق حيّا وإن تضمّن خروقات لصالح الجانب الإيراني.
وكما أصبح معلوما، فإن تقدّم الاتفاق النووي الإيراني في المسار المرسوم له، فسيتم الإفراج عن مليارات الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج بحلول نهاية العام، وهذا يعني المزيد من المليارات لنظام الأسد والمزيد من السلاح والعتاد لقتل المدنيين السوريين والمزيد من دعم الأذرع والميليشيات الإرهابية التابعة للحرس الثوري.
المثير للاهتمام في الموضوع هو مدى ارتباط الدور الروسي في سوريا بالاتفاق النووي الإيراني. من المعلوم أن روسيا هي ربما من أقل الدول المشاركة في الاتفاق استفادة منه من الناحية الاقتصادية والسياسيّة. الجانب الأمريكي يعلم ذلك تماما، ولهذا فقد دأب خلال الفترة الماضية على البحث عن جوائز ترضية لموسكو تعوّضها الأضرار التي قد تلحق بها جرّاء هذا الاتفاق. ومن المفارقة بمكان أن الترويج الأمريكي تحديدا لأهمية ومحورية الدور الروسي في سوريا خلال المرحلة المقبلة قد جاء مترافقا مع المفاوضات التي كانت تتم للوصول إلى الصفقة النووية.
بمعنى آخر، الجانب الأمريكي يحاول تعويض روسيا جيوبوليتيكيا، ورغم أن موسكو كانت تفضّل على ما يبدو إطلاق يدها في أوكرانيا، فان الولايات المتّحدة حاولت إعادة بيع الورقة السورية مرّة أخرى ولكن لموسكو بعد أن كانت قد باعتها لإيران سابقا. الولايات المتّحدة كما سبق ورحنا في مقال "دهاليز التسوية السورية" لا يعارض علنا الخيار الروسي والإيراني في سوريا وإنما يبقى منفتحا عليهما، ولذلك فمن السذاجة بمكان الاعتقاد بأنّ ما يجري اليوم من حشد للقوات الروسية والإيرانية في سوريا إنما يتم دون علم أمريكي. ما يهم الولايات المتّحدة في سوريا هو أولوية مقاتلة "داعش"، وما يهم روسيا وإيران هو أولوية الحفاظ على النظام السوري. ولأنّ واشنطن لا تريد أن تبدو وكأنها توظّف النظام السوري في الحرب على "الإرهاب" فإنها ستترك هذه المهمّة للجانب الروسي والإيراني.
خلاصة القول أنّ هذا الوضع الشاذ الذي خلقته إدارة أوباما في سوريا بصفقاتها مع روسيا وإيران سيرتد على الجميع عاجلا أم آجلا، ولا شك أنّ التواجد الإقليمي والدولي لن يقتصر في هذه الحالة على هؤلاء اللاعبين وهذا معناه للأسف المزيد من القتل والمزيد من الدمار والتهجير والمزيد من سفك الدماء، كل هذا من أجل رجل واحد فقط على الكرسي!