كتاب عربي 21

حصة الأسد بين أنياب بوتين

راميا محجازي
1300x600
1300x600
ألقت حكومة موسكو في الأسابيع القليلة الماضية ثقلا عسكريا داخل العمق السوري، بعد أن قامت بدراسة دقيقة للأوضاع الاستراتيجية والإقليمية داخل المنطقة ومحيطها.

ما أثار مخاوف اللاعبين الإقليميين والدوليين وقلقهم من ملف الشرق الأوسط والملف السوري تحديدا، فيقينهم أن التدخل الروسي لم يأت من قبيل المغامرة، ولم يكن الهدف منه القفز فوق الحلول السياسية الموعودة للمنطقة، وإنما تحرك موسكو كان محسوبا حتى أدق في تفاصيله. 

لقد أتاحت العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية العميقة بين موسكو والنظام  الحاكم في سوريا -الأسد وطهران- أتاحت للدب الروسي مساحة كبيرة للحركة في الامتداد الجغرافي السوري، والتغلغل داخل مفاصل الدولة و أجهزتها الأمنية والسياسية والعسكرية، بحيث تمكنت حكومة بوتين من رسم استراتيجيتها بناء على وقائع و مشاهدات لا بالاعتماد على تقارير محرفة كالتي رسمت على أساسها استراتيجية البيت الأبيض وكانت مخرجاتها كارثية على كافة الأصعدة وعلى مختلف الأطراف. 

روسيا الصديقة كما يهوى أن يسميها الأسد، والتي فتحت لها أبواب الشام على مصاريعها وبترحيب إعلامي و سياسي كبير؛ لم تكتف بولائم الأسد من قواعد برية وبحرية وصفقات عسكرية وبشرية، بل كانت عينها على حصة الأسد، ويبدو أن الأجواء الأوروبية والعربية العاصفة بغبار المهجّرين سهلت لموسكو أن يكون لها ما أرادت.  

فخارطة بوتين الجيوسياسية التي رسمها عن قرب، ربما ستكون الأكثر قربا من واقع الصراع وربما ستشهد استراتيجيته التي نضجت دون أي استعجال تأييدا أوروبيا وإقليميا سيكون له دورا في خلق توازنات جديدة ليس في المنطقة العربية فحسب و إنما على الصعيد الدولي أيضا. 

روسيا اليوم تعلم تماما على أي أرض تتحرك، و كيف يمكن لها أن تستثمر وجودها على الأراضي السورية بما يؤمن مصالحها، و يضمن تشكيل ضغط حقيقي على خصومها، والأكثر أنه قد يمهد لحل يشبع نهم بوتين للزعامة، ويحلحل ملفات موسكو الداخلية والخارجية العالقة مع الإدارة الأميركية ودول غربية و عربية على حد سواء. 

التصريحات الأخيرة لحكومة بوتين ركزت على التمسك بدعم الحل السياسي في سوريا و محاربة الإرهاب، المتمثل حسب رؤيتها بالتنظيمات الإسلامية الجهادية المناوئة للأسد و تنظيم الدولة، متجاهلة بكل خبث الإرهاب الذي تمارسه قوات الأسد و الميليشيات الإيرانية على الشعب السوري، ورؤية موسكو لا تأت من ضعف في البصر والبصيرة، وإنما يتأتى من حرصها على اللعب ضمن قواعد البيت الأبيض وعلى نسق واحد مع الدبلوماسية الخادعة التي تبدع كل من الدول التابعة لمجلس الأمن والأمم المتحدة في صياغة فحواها بمرونة تساير التطورات في المنطقة وقد تتفوق عليها في كثير من الأحيان.    

وقد أعلنت حكومة موسكو أن تواجدها على الأراضي السورية و دعمها لنظام الأسد، لم يتجاوز القوانين والأعراف الدولية، وتسترت بالصداقة القديمة التي تجمعها مع  النظام الحاكم في سوريا، ولكنها لم تعلن بعد نواياها من هذا التواجد، سوى ما هو معروف على الساحة الدولية من حفاظ على مصالحها الاستراتيجية في سورية والمتمثلة بالقاعدة البحرية العسكرية الوحيدة التي تملكها على المتوسط و تحديدا في محافظة طرطوس، والقواعد الجديدة التي تم الاتفاق على إنشائها مع نظام الأسد و المتمثلة بقاعدة برية بالقرب من إحدى المطارات العسكرية داخل دمشق، و أخرى بحرية على ميناء اللاذقية لتكون حصيلة القواعد العسكرية الروسية في سوريا قبل نهاية العام الحالي ثلاث قواعد بجاهزية كاملة، تلتهم بها أهم المدن على الشريط الساحلي الذي كان الأسد يحضر له ليكوّن مستعمرته المنشودة في حال تمكنت المقاومة الشعبية من دخول قصر المهاجرين، أو تحسبا لنجاح أي انقلاب من داخل قصره الرئاسي.  

لم يكن من مصلحة روسية الدخول في صراع معقد و دام لم تحدد الأعداد النهائية للدول المشاركة فيه بعد، وأغلب الظن أنها لن تتسرع في إعلان عمليات عسكرية رسمية ضد أي من الأطراف، دون الاتفاق على رؤية محددة وواضحة، والأهم آمنة لمصالحها.  

من الملاحظ أنه وإلى اليوم لم يتجاوز انخراطها عسكريا كداعمة للأسد، تقديم استشارات سياسية وعسكرية عن طريق فرق الخبراء التي توفدها منذ بداية الصراع إلى سوريا، ولكن التطورات الجديدة على الساحة الدولية و الضغوطات التي يشهدها المجتمع الدولي حيال ملفات عدة تتعلق بالمنطقة، أهمها: ملفات الإرهاب والكيماوي والتهجير أثرت بكل تأكيد على استراتيجية موسكو في المنطقة وغيّر من أولوياتها؛ ذلك أن تأثيرات هذه الملفات تجاوزت الشأن المحلي والإقليمي إلى الدولي بسرعة مرعبة.

كما أن هذه الملفات بما تحمله من ضغوطات ضاعفت من جهود موسكو بغية الانتهاء من إنجاز قواعدها على المتوسط و داخل الأراضي السورية في أقصر وقت ممكن، ذلك كإجراءات احترازية لما قد تتسبب به التطورات السياسية المتعلقة بقضايا السلطة والشرعية في البلاد، وبالتالي تجنب الضرر الذي قد تتعرض له في حال نقد المعاهدات المتفق عليها مع نظام الأسد أو التشكيك بها أو إيقاف العمل بها من قبل الحكومة القادمة والتي تمنحها القوانين والأنظمة الدولية هذه الأحقية دون أي تعقيدات. 

من ناحية ثانية التطورات الميدانية التي تحققها المقاومة الشعبية والتي لم يعد من الممكن التكهن بها أو حتى وضع حسابات دقيقة عن طبيعة تقدمها وسرعته، هذه المقاومة قد أثبتت للمجتمع الدولي من خلال الانتصارات المتتالية التي حققتها، اندماجا وتكيفا مطلقا مع طبيعة المنطقة الجغرافية التي تقاتل ضمنها، وأكثر من ذلك أثبتت صلابة في مواقفها السياسية ورؤيتها لحل في سوريا، إضافة إلى ارتباط وثيق بين المقاتليين على اختلاف خلفياتهم ومرجعياتهم.  

أخيرا؛ وفي ظل الأوضاع المربكة لدول الاتحاد الأوروبي، والتي تسبب بها الصراع في الشرق الأوسط والانعدام شبه الكامل للأمن والاستقرار في معظم أقاليم المنطقة، و بعد عملية تصدير الصراع، التي تمثلت بتوتر الأوضاع الأمنية مع تدفق اللاجئين بطرق غير شرعية، وعلى أعتاب أعباء أزمة اقتصادية مرهقة ينذر بها خبراء اقتصاديون في بعض من دول الاتحاد الأوروبي، يبقى الملف السوري مفتاح كل الأزمات.
التعليقات (0)