نشر موقع سلايت، الناطق بالفرنسية، تقريرا حول ملف اللاجئين المتدفقين على الدول الأوروبية، مستعرضة الإيجابيات التي يمكن أن تطال الاقتصادات الأوروبية بفضل هؤلاء اللاجئين، وذلك في مقابل ما وصفته بـ"مخاوف كبرى الدول من تأثير اللاجئين على هويتها وثقافتها وأسلوب عيشها".
وقال الموقع في هذا التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إن الخبراء الاقتصاديين لم يسبق لهم أن أجمعوا على نقطة ما، مثلما فعلوا فيما يتعلق بإيجابيات وفود اللاجئين، حيث يرى أغلبهم أن حرية تنقل الأفراد لا تضر بثروة بلد ما، بل على العكس تماما، من شأن ذلك أن يخلق المزيد من مواطن الشغل.
وأضاف التقرير أن الدراسات الاقتصادية تدحض ادعاءات مناهضي
الهجرة، من قبيل استحواذ
المهاجرين على وظائف المواطنين، أو إخلالهم بمنظومة الضمان الاجتماعي، مشيرة إلى أن السبب الحقيقي لهذه المخاوف هو الخوف من إمكانية اهتزاز الهوية الثقافية والقومية والدينية لدولة ما.
وفي السياق ذاته، أشار الموقع إلى غياب رؤية واضحة وإستراتيجية بعيدة المدى، لدى بعض الأحزاب والحكومات الأوروبية؛ حيث يفضل هؤلاء اتباع الرأي العام، وهو ما يفسر عجزهم أمام التعاطي مع موجات المهاجرين التي تضاعفت هذا الصيف.
وأضاف أن الدول الأوروبية ليست الوحيدة التي صمت آذانها في مواجهة هذه القضية الشائكة، فقد غابت مسألة الهجرة عن خطة الأمم المتحدة للعشرينية المقبلة، والمتضمنة 17 هدفا، تحت عنوان "الطريق نحو الكرامة 2030".
وذكرت أن تدفق المهاجرين الذي تشهده الدول الأوروبية ليس بالحدث المفاجئ، إذ لطالما توقع الديمغرافيون أن يشهد القرن الـ21 تزايدا لظاهرة النمو بسبب تراكم مجموعة من العوامل، من قبيل اختلاف مستويات المعيشة، وارتفاع نسبة المسنين في المجتمع، ومحاولة استقطاب المواهب، واختلال ميزان العرض والطلب.
وذكرت المجلة أنه منذ سنة 1990، ازداد عدد الأشخاص الذين يعيشون خارج بلدانهم بنسبة 76 في المئة، علاوة على ما تسبب فيه انتشار الحروب من تدفق مفاجئ للاجئين.
غير أن سلايت أشار إلى المغالطة التي تسببها أفواج المهاجرين، حيث أنها ليست بالضخامة التي تبدو عليها، فهي لا تمثل سوى 3.2 في المئة من مجموع سكان العالم، مضيفا أن الهجرة تعد من تقاليد سكان شمال الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ولد 11 في المئة منهم خارج أمريكا، مقابل 1.5 في المئة في الجنوب الذي يضم الفقراء من المواطنين.
من ناحية أخرى، تساءل الموقع عما يجب فعله أمام التزايد المتوقع لعدد سكان العالم، المرجح بلوغهم 10 مليارات نسمة مع حلول سنة 2050، بنسبة نمو سنوية، تقدر بـ1.1 في المئة، مشيرا إلى أن عدد السكان في سن العمل يشهد تقلصا في كل من اليابان وروسيا وكوريا، في حين من المتوقع أن تلحق بهم
أوروبا مع حلول سنة 2020، وأمريكا اللاتينية في سنة 2045.
لذلك، تسعى الدول الكبرى، مثل أستراليا وكندا والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، للحفاظ على نظامها الاجتماعي، عبر استقطاب أصحاب الشهادات العليا، وبعض الوظائف المعينة، وهو ما يفسر ترحيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، باللاجئين.
وأفاد سلايت بأن العالم يشهد تطورا آخر، يعود إلى "التحول الكبير" الذي أفرزته العولمة، من نمو متسارع للدول الناشئة، وهو ما من شأنه أن يقلل ويغير من نسبة "الحاجة للمغادرة"، لدى الدول الفقيرة.
وبحسب الخبراء الاقتصاديين، فإن الأمر يتعلق بالدخل الفردي، فبمجرد أن يبلغ 15 ألف دولار، تزداد الرغبة في الهجرة إلى ذلك البلد، مثلما هو الحال مع أنغولا والبرازيل وساحل العاج وماليزيا وجنوب أفريقيا، التي أصبحت تستقطب المهاجرين من الدول المجاورة لها.
وفي هذا السياق، قال الموقع إن المعالم الجغرافية العالمية للهجرة آخذة في التغير بنسق سريع، إذ يتوقع أن ترتفع نسبة الهجرة من الجنوب للجنوب، مما سيقلص الضغط على دول الشمال، وسيقلل من حالة القلق السائدة بخصوص الغزو الثقافي، فاسحا المجال أمام فرصة اتخاذ إجراءات على المدى الطويل، للاستفادة من مزايا الهجرة، والتغلب على سلبياتها.
وأكد سلايت أن الأسباب الرئيسية للهجرة تتمثل في التخلف والفقر، ما يقود إلى أولى العوامل الداعمة للإجراء المذكورة أعلاه، وهي العولمة، باعتبار إسهامها في تنمية دول الجنوب.
وأضاف أن ذلك سيضع المجتمعات "المثالية" أمام تحد من نوع آخر، فبعد أن كانت غير راغبة في انتشار المنتجات الأفريقية داخلها، ستجد نفسها في مواجهة الأفارقة أنفسهم.
أما العامل الثاني، فيتعلق بالإعانات التي يرسلها المهاجرون لأهاليهم سنويا، والمقدرة بـ550 مليار دولار، أي بمقدار مرتين ونصف مقارنة بمجمل المساعدات التنموية التي توفرها دول الشمال للجنوب.
وبحسب ممثل الأمم المتحدة للهجرة والتنمية، بيتر ساذرلاند، فإن هذا المبلغ يسمح بالحصول على الماء والغذاء، وتوفير الأدوية والتعليم، لما يناهز المليار شخص، ما من شأنه أن يخفض من نسبة المهاجرين.
وفي الختام، ذكر الموقع أن "الهجرة هي خير سلاح ضد الهجرة"، مؤكدة أن الحل يكمن في رفع أقنعة الخوف ومواجهة الحقائق والتعاطي معها بهدوء.