كتب كمال أوزتورك: بعد أن تم التأكد من أن شركة خاصة بتصنيع اللحوم تضع لحم الحمار والحصان في منتجاتها، فقد صدر قرار من وزارة الزراعة بإغلاق هذه الشركة.. غير أن أحد المتاجر الكبيرة التي اشترت كميات كبيرة من هذه اللحوم استمرت في بيعها وكأن شيئا لم يكن. وعند سؤالهم عن السبب كانوا يقولون: "إنها حرب إعلامية فقط.. اللحم نظيف وصحي".
الحقيقة والكذب
لم أشاهد طوال 20 عاما من عملي مثل هذه الحرب الإعلامية، ولم أشاهد رباطة جأش كما هي لدى هؤلاء الذين يبيعون لحوم الحمير علنا. نعيش في عصر تختلط فيه المفاهيم وتحار فيه العقول بين الحقيقة والخيال.
في السابق كانوا يخفون عنا الحقائق ويمطروننا بأكاذيبهم، أما اليوم فالوضع قد اختلف. أصبحوا يشوّهون الحقيقة ويغيّرونها لدرجة أننا لم نعد نميّز بين لحم الحمير ولحم الأبقار إلا بالاستعانة بالتحاليل المخبرية. أصبح الغش والخداع ميدانا تخصّصيا. تزييف الوعي وتغييره وتشويهه صار دروسا ومواد تدرّس في الجامعات. كما أن الشخصيات العالمية بدأت بإصدار الأبحاث والكتب والمقالات في هذا الشأن. ليس هذا فحسب، بل إن التكنولوجيا تسعى جاهدة لتلبية احتياجات الناس في معركة الوعي هذه. حتى الأحزاب السياسية والحركات الإرهابية، فهي تلعب هذه اللعبة ويبدو أنها قد استطاعت التفوق على الدولة بكل المقاييس.
علاقة الإعلام بحزب العمال الكردستاني
وصلت العلاقة بين حزب العمال الكردستاني والإعلام إلى أبعاد لم تستطع الكتب المتخصّصة أن تصل إليها. يجب إعادة النظر في هذا الموضوع. بكل الأحوال، فإن "داعش" وحزب العمال الكردستاني ينفقان أموالا طائلة على الإعلام، ومن الواضح أن تأثيرهما الإعلامي على الصعيد الدولي أكبر من تأثير الجمهورية التركية. كما أن ما ينشرونه في الإعلام وما يطالبون به أمام المجتمع الدولي ظلما وبهتانا يضرّنا بنفس الدرجة التي تضرّنا فيها هجماتهم المسلحة.
ربطت جريدة "الإندبندت" البريطانية قصة الإيرلندي الملاكم بالخلاف بين أردوغان وحزب العمال الكردستاني. يدعمون العمال الكردستاني علنا وبكل وقاحة. كلنا رأينا التقرير الذي يتكلم عن القيادية في حزب العمال الكردستاني التي خرجت بأبهى حلّتها.. طبعا ستصبح الدولة إرهابية ومجرمة في نظر من يشاهد هذا التقرير، حيث إن الدولة تقتل النساء الجميلات. ولا يجب علينا أن ننسى علاقة كل هذا بالسياسة الدولية وارتباط الإعلام والإرهاب.
حملة ضد مجموعة "إيبك" الإعلامية
لقد بدأ جدال عريض في الأوساط الإعلامية بسبب التحقيق الذي فُتِح بحق مجموعة "إيبك" الإعلامية المقرّبة من جماعة غولن. وبدأت الدولة حملتها ضد كل المؤسّسات التابعة لـ"هولدينغ".
فانعكس الخبر على الإعلام بصورة تعطي انطباعا بأن "العدالة والتنمية" وضع يده على الإعلام، وأنه يكبت حرية التعبير ويشن حملته على المؤسسات الإعلامية المعارضة له.
لكن الحقيقة تقول إن القضاء فتح تحقيقا بحق مؤسّسة إرهابية غير مسلحة تعمل على تقويض سلطة الدولة. وهذه الحملة لا تشمل فقط الجانب الإعلامي لـ"هولدينغ"، بل إنها تشمل أيضا 23 شركة في مجالات مختلفة.
وكان الخبر يعطي انطباعا بأن أردوغان سيزج بكل الكتاب والإعلاميين في السجن.
أما الحقيقة، فتقول إن أردوغان و"العدالة والتنمية" بقيا في الحكم 13 سنة متتالية، وكان 65 بالمئة من وسائل الإعلام ضدّهم ولم يسجنوا أحدا. ولو أرادت الحكومة أن تضع يدها على الإعلام لفعلت ذلك عندما كانت في أوج قوتها وليس اليوم.
اعتقال الصحفيين المثير للانتباه
في وسط هذه المعمعة كلها، يأتينا خبر اعتقال الصحفيين الأجانب العاملين لصالح "بي بي سي" و"فايس نيوز" في مدينة ديار بكر. لم يُعتقل صحفي أجنبي في تركيا منذ زمن بعيد جدا. قيل إنهم تواجدوا في نشاط خاص بتنظيم "داعش" من قبل واعتُقِلوا سابقا. ثم علمنا باعتقالهم لعلاقتهم بحزب العمال الكردستاني. لو ثبت ذلك فعلا، فإن على الدولة التركية أن تُسمِع العالم كله ما حصل. طبعا الإعلام الأوروبي قد بدأ بحملة كبيرة ضد تركيا ابتداء من الأمس. ومع تلقّيهم خبر مجموعة "إيبك" الإعلامية فهم سيستمرون بعزم أقوى.
يحصل كل هذا حولنا ونحن ما زلنا نتناقش.. هل هذا لحم بقر أم لحم حمير؟ ولا أحد يسمع ما تقوله وزارة الزراعة. والوضع السياسي مشابه تماما؛ فالمسألة لم تعد حرية تعبير وإعلام، بل أصبحت قضية إرهاب ولا أحد يستطيع شرح ذلك. وبهذه الطريقة تستمر حملات تزييف الوعي دون حسيب ولا رقيب.
(عن صحيفة "يني شفق" التركية- ترجمة خاصة لـ"عربي21")