رغم بلوغهم من العمر عتيّا، فإنهم ما زالوا يحلمون بتحقيق الأفضل في ما بقي من حياتهم.. هنا في
نادي "
بيت جدودنا" بمدينة
غزة، يجتمع عشرات المسنين، يمارسون هوايات عجزوا عن تحقيقها في شبابهم.
ونادي "بيت جدودنا"، مشروع أقامته جمعية الوداد الخيرية (غير حكومية)، بتمويل من المؤسسة العالمية لرعاية
كبار السن (Help Age)، ويعمل على تعزيز ثقة كبار السن بأنفسهم، وإعادة دمجهم في المجتمع بعد إنهاء عزلتهم، من خلال استهدافهم ببرامج ثقافية، وصحية، وترفيهية، وتعليمية، وترفيهية، إضافة إلى مساعدتهم على ممارسة هواياتهم المفضلة، بحسب القائمين على النادي.
طلال أبو كويك، أحد المسنين الملتحقين بالنادي، ورغم سنوات عمره الـ66، فإنه ما زال يملك الرغبة بممارسة هواية الرسم على الفخار، التي حُرم من ممارستها في ريعان شبابه.
يقول أبو كويك للأناضول، إنه كان يحلم بالالتحاق بكلية "الفنون الجميلة"، لتنمية موهبته في الرسم، إلا أن ظروفه الاقتصادية آنذاك، حالت دون تحقيق حلمه، وانسحب من الكلية بعد أن أتمّ العام الدراسي الأول.
وما إن التحق بنادي "بيت جدودنا"، منذ أربع سنوات، حتّى بدأ يعمل على تحقيق أحلامه التي حُرم منها في شبابه، خاصة ً وأنه عاطل عن العمل منذ أكثر من عشرة أعوام.
ويضيف: "بعد أن التحقت بالنادي، عدت لممارسة كافة هواياتي، هنا أعادوا دمجنا نحن كبار السن في المجتمع، وأصبح لنا دورٌ فاعل فيه".
ويشير أبو كويك إلى أن النادي يقدم لهم خدمات ثقافية، وصحية، وترفيهية، كما أنه يهدف لخلق نوع من التسامح والتكافل بين كبار السن.
وفي زاوية من زوايا "بيت جدودنا"، تلتفُّ عشراتُ المُسنّات حول بعضهنّ البعض، وقد شكّلن حلقة دائرية، تتوسطها اثنتان تحملان حلقات بلاستيكية مُلوّنة، يتسابقن في رميها نحو الهدف.
وتُعيد فاطمة أبو عمارة (72 عاما)، الملتحقة بـ"بيت جدودنا"، منذ خمس سنوات، لحظات شبابها من خلال مشاركتها بالخدمات التي يقدّمها القائمون على النادي.
وبدأت أبو عمارة، التي تقاعدت من عملها كمديرة مدرسة حكومية عام 2006، ارتيادها لهذا المكان، بعد أن دخلته أول مرة كعضو يتلقى الخدمات فقط، ومن ثم تطورت وأصبحت تُلقي ندوات دينية تشارك فيها سيدات متقدمات في السن.
وتطور الأمر لاحقا لتصبح أبو عمارة، عضو مجلس إدارة في فرع مؤسسة "Help Age" بغزة، تساعد في توصيل الخدمات المادية للمسنّات بالقطاع.
تقول المديرة المتقاعدة للأناضول: "أجد أن هذا النادي أصبح بيتا للمسنّات والمسنّين بغزة، نظرا لما يقدّمه من خدمات لهذه الفئة، كما أنني أشعر على صعيدي الخاص أن وجوده أصبح ضرورة في حياتنا".
وبحسب يحيى الكيّالي، فقد تأسس النادي الذي يشرف على إدارته، عام 2011، ضمن مشروع تموله المؤسسة العالمية "Help Age"، ويتم تجديده كل 8- 12 شهرا.
وفي حديث مع الأناضول، يقول الكيالي، إن "المشروع كان مخصصا لفترة زمنية لا تتجاوز العام، لكن نظرا للظروف الإنسانية الصعبة التي يمرّ بها قطاع غزة، ولحجم الاستفادة التي قدّمها لمئات كبار السن، فقد تمّ الحصول على تمديد في كلّ مرة ينتهي فيها عقده".
ويضيف أن "الأزمات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، لا تنتهي في قطاع غزة، إضافة إلى الحروب الثلاثة التي مرّ بها سكان القطاع، ولذلك فإن القائمين على مؤسسة Help Age، يرتأون تمديد المشروع بعد كل فترة انتهاء".
ووفقا للكيالي، فإن النادي يقدم خدماته الثقافية والصحية والترفيهية لمئات المسنين، حيث تشكّل النساء نسبة 60% من المنتسبين، فيما تبلغ نسبة الرجال 40%.
ويتلخص الهدف من هذا المشروع، في تعزيز ثقة كبار السن بأنفسهم، والتخفيف من مسألة العزلة الاجتماعية المفروضة عليهم، ودمجهم مع الآخرين، بحسب مدير النادي.
وتشترط المؤسسة العالمية لرعاية كبار السن، أن يتخطّى المستفيد من خدمات "بيت جدودنا" المجانية، سن الـ55، لأنها صنّفت فئة كبار السن بعد بلوغهم هذا السن، وفقا للقائمين على النادي.
ويلفت الكيالي إلى أن الخطة السنوية لنادي "بيت جدودنا" من المفترض أن تستقطب 325 شخصا من كبار السن، مقسّمين بين نساء ورجال، كما أنها تستهدف حي الزيتون، شرق مدينة غزة، كونه أحد أكثر الأحياء التي تضررت خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة (شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس الماضيين).
أما الخطة الماضية، فيذكر مدير النادي أنها استهدفت كبار السن من منطقة الشجاعية، شرق المدينة، خاصة المنطقة الحدودية منها، "لأن سكانها تعرضوا لأزمات نفسية، وحالات اكتئاب كان من المفترض التدخل الميداني لحل مشاكل كبار السن النفسية فيها".
وتتضمن الخطة السنوية، تخصيص فعالية "إرشاد فردي"، تشرف عليه مجموعة من الاختصاصيين، ويستفيد منها حوالي 38 مسنا ومسنة، باعتبارهم من أكثر الحالات تضررا خلال الحرب الأخيرة، ويعانون من حالات اكتئاب.
ويقدم النادي خدماته على مدار ستة أيام في الأسبوع، للنساء، وللرجال مناصفة.
وحول النشاطات التي يقدمونها، بيّن مدير النادي، أنها "تبدأ بالتمارين الصباحية التنشيطية، ومن ثم تتبعها ندوات تهتم بالصحة العامة لهذه الفئة، والتغذية الصحيحة لهم، بحسب هرمهم الغذائي الخاص، كونهم يحتاجون لرعاية خاصة".
ويوضح أن أكثر ما يتم التركيز عليه في الهرم الغذائي، هو الطعام الذي يساعد على النوم والاسترخاء، والأصناف التي تساعد على نقل التيارات العصبية، ودور الفيتامينات وأعراضها وانعكاساتها على الصحة العامة.
وفي ما يتعلق بالأنشطة الثقافية، فإن النادي يقدم دورات دينية للمنتسبين، بالتعاون مع وزارة الأوقاف، بالإضافة إلى توزيع كتب للقراءة.
وعن الأنشطة الترفيهية، يخصص النادي يوماً مفتوحاً كل أسبوع، يتيح للسيدات طهي الطعام، والحلويات التي يصعب عليهنّ إعدادها في منازلهنّ، كما أنه يتيح للرجال القيام بالأعمال المحببة لهم، فضلاً عن تحديد يوم بالشهر للرحلات الترفيهية في القطاع.