أصيبت السعودية بخيبة أمل كبيرة عقب توقيع أمريكا لاتفاقها النووي مع إيران، وفي اليوم التالي وافقت السعودية على طلب تقدمت به حركة حماس لزيارة المملكة في وقت سابق، وتوجه الأستاذ خالد مشعل على رأس وفد قيادي لأداء مناسك العمرة. والشيء الذي بات مسلما به بأن رحلة الطواف هذه المرة لم تكن فقط لقصد ديني، بل لغرض سياسي واضح، وأظهرت الزيارة كذلك التوليفة التي تجمع بين الدين والسياسة، فالنظام السعودي يسعى إلى الاستثمار مجددا في الخطاب السني، على ضوء التمدد الإيراني في المنطقة.
ويمكن وضع الزيارة في إطار "الطواف السياسي" للمملكة، وهي المرحلة التي تسعى من خلالها للتعرف على خياراتها المستقبلية وسبل المواجهة، في ظل تقدير الموقف السعودي الذي يرى بأن الاتفاق النووي سيمنح إيران مزيدا من القدرة على "التخريب" في المنطقة، ويبدو الشعور بالخذلان واضحا لدى الأسرة الحاكمة في السعودية من حليفهم الإستراتيجي لأكثر من سبعة عقود، حيث أشار بندر بن سلطان (الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السعودية) إلى أن السعودية ستعمل مع الجميع لتعزيز قوتها باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية.
في المقابل تجد حماس في العلاقة مع السعودية مكسبا كبيرا قد يخرجها من حالة الانكشاف السياسي الذي وقعت فيه عقب خروجها من سوريا، فحاولت الحركة اقتناص الفرصة في جسر العلاقة مع المملكة عقب التغير الكبير الذي طرأ على نظام الحكم بعد وفاة الملك عبد الله، حيث اتصل مشعل بالملك سلمان معزيا وعبر الأخير في حينها عن ترحيبه بزيارة وفد الحركة.
وبات واضحا أن حماس لم تذهب إلى السعودية بسقف عال من الآمال والتوقعات، وعلى الرغم من ذلك عبرت الحركة عن ارتياحها للدعوة وللالتقاء بالملك السعودي، وكان لافتا أيضا اجتماع وفد الحركة بالقيادة السعودية الجديدة (محمد بن نايف، ومحمد بن سلمان) وهو ما يعتبر خطوة إيجابية في إطار العلاقات وإمكانية تطويرها في الفترة المقبلة، فالقيادات الشابة لا تحتفظ بسجل من العداء أو مواقف مسبقة من الحركة.
وتمثل العلاقة مع السعودية أهمية كبيرة بالنسبة للحركة، سواء على صعيد كسر العزلة العربية التي باتت تعاني منها، أو على صعيد توفير الدعم لمشروعها في الداخل الفلسطيني، والذي بات بحاجة إلى موارد كبيرة وقوى وازنة تدعمه، في مقابل التشدد المصري والحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليها.
ويبدو أنه من المبكر التنبؤ بآفاق العلاقة ومستقبلها بين الطرفين، في ظل المساعي السعودية للتأقلم مع المشهد الإقليمي الجديد، فالزيارة تأتي في إطار استكشاف السعودية للقوى الفاعلة وإمكانية التواصل معها في ظل الإعراض الأمريكي.
وتعطي بوادر الانفتاح السعودي على الحركات الإسلامية، بصيص أمل آخر للعلاقة بين الطرفين، ويتسائل البعض عن إمكانية لعب حماس دورا في التقارب بين حزب الإصلاح اليمني والسعودية. حيث تبدو الأخيرة معنية أيضا بالتصدي للتمدد والنفوذ الواسع الذي باتت تمثله التيارات المتطرفة في المنطقة، فتوحش "الراديكالية الجديدة" الممثلة في تنظيم “داعش” و"الحوثيين" لا يمكن إيقافها من خلال التعامل العسكري وحده، وهو ما يتطلب تواصل إيجابي مع القوى الإسلامية المعتدلة في المنطقة.
وتاريخيا عرف عن السعودية علاقاتها الواسعة مع التيار الإسلامي، ومثلت لفترات طويلة مرتكزا أساسيا لقيادات الحركة الإسلامية، حيث احتفظت بعلاقات جيدة سابقا مع الحركة، إلا أن أحداث الحادى عشر من سبتمبر والخطر الذي زحف بعد ذلك إلى الداخل السعودي، دفع بالمملكة لترتيب حساباتها من جديد والدخول في حلف متين مع الأمريكان لتأمين الجبهة الداخلية، ولمواجهة الحركات الجهادية في المنطقة. وكان لمركزية الملك عبد الله في اتخاذ القرار والتضليل الذي مارسته السلطة على النظام السعودي آنذاك بالغ الأثر على تعقيد العلاقة. بالإضافة إلى أن الموقف السعودي السلبي من “الربيع العربي” لعب دورا كبيرا في إيجاد فجوة واسعة بين الحركات الإسلامية والمملكة، ولكن التغيرات التي طرأت على نظام الحكم في السعودية والتي تمثلت بصعود السدارى مجددا، والتغيرات التي طرأت على المشهد الإقليمي، تبشر بسياسة جديدة، ستعمل من خلالها المملكة على عدم الإصطدام المباشر في الحركات الإسلامية، والتصدي بقوة للتمدد الإيراني في المنطقة.
في المحصلة؛ حملت زيارة قيادة حماس إلى السعودية رسائل هامة، أظهرت رغبة متبادلة لدى الطرفين لفتح صفحة جديدة في العلاقة بينهما، وكانت أولى نتائج الزيارة الإفراج عن عدد من عناصر وقيادات حماس، جرى اعتقالهم قبل ما يقاربثمانية شهور، وتبرز أهمية الزيارة في التوقيت الذي جاءت فيه، حيث تسعى السعودية للعب دور إقليمي أوسع في الفترة المقبلة، وتعد القضية الفلسطينية واحدة من أهم القضايا في المنطقة التي يمكن أن تشكل رافعة للسياسة السعودية، في المقابل تسعى حماس لكسر جدار العزلة مع النظام العربي الرسمي، ومن المتوقع أن تكون هناك خطوات أخرى لتوثيق العلاقة بين الطرفين بما يسهم في انتشال الواقع الفلسطيني المترهل.
3
شارك
التعليقات (3)
رابعة العدوية
الجمعة، 24-07-201504:07 م
نسأل الله العلي العظيم أن يصلح ذات بين المسلمين ويوحد صفوفهم وجهودهم ويقوي شوكتهم في مواجهة أعدائهم
عبدالله العيسى
الجمعة، 24-07-201510:56 ص
زيارة مشعل كانت للعمره ومقابلته للملك روتينيه فقد استقبله مثل الآخرين ولم تكن هناك اجنده سياسيه ووزير الخارجيه السعوديه قال ذلك بجلاء ولكن ايران والأبواق التابعة لها بدى عليهم الهذيان ووضعوا من الزياره الدينيه اشياء لايمكن الأقتناع بها اطلاقآ مشعل شكر السعوديه على استقبالها له وتأمين وحماية زيارته ولكنه لم يدلي بامور سياسيه او توجهات استثنائيه كفانا نفاق
فتحي
الخميس، 23-07-201510:34 م
مقال جيد، لكن - للعلم - الإصلاح اليمني ليس في حاجة لوساطة حماس وقد ردد هذه "الشائعة" الكثير من الإعلاميين، والواقع أن الإصلاح له علاقة تاريخية ممتدة مع النظام السعودي.
وهناك تفاصيل في طبيعة العلاقة بين الطرفين لا يتسع المقام للحديث عنها.
تحياتي