كتاب عربي 21

ما يجري حولك لا يخصك

جعفر عباس
1300x600
1300x600
بذلتكم النصح في مقالي هنا يوم السبت الماضي، بتفادي التعامل مع التلفزيون قدر المستطاع، خاصة في شهر الصوم الفضيل، الذي ما زلنا في بواكيره، لأن الفضائيات العربية تتبارى في التهريج والسخف في رمضان، لعلمها بأن غالبية الناس تميل فيه إلى السهر، لأن كثيرا من  المسلمين يتناسون عامدين أن العمل عبادة، ويعتبرونه فرض كفاية، فينامون فجرا ويستيقظون عصرا، فتملأ الفضائيات لياليهم باللغو واللهو، وبعض هذا من نواقض الوضوء، بل ومن موجبات الغسل.

فإذا أردت راحة البال التامة، فاعتبر التلفزيون شرا وابتعد  عنه ولا "تغني له"، وثق بما أقول، لأن التلفزيون صِنعتي، أي مهنتي، وأعتاش من العمل فيه، وكان الإلمام بالشؤون الدولية ما أهلني للعمل الإعلامي، ولكنني صرت مقتنعا، في ضوء وقائع راهنة، أنه بالإمكان مواكبة الأحداث في العالم العربي دون الحاجة إلى أي وسيلة إعلامية، فمنذ ثلاث سنوات – مثلا - لم أقرأ أو أشاهد أو أسمع شيئا يتعلق بالأحوال السياسية في لبنان، ومع هذا فلو خضعت لامتحان عن مجريات الأمور الراهنة فيه سأنجح  بتقدير "ممتاز"

سيحدث ذلك لأنه لا جديد في لبنان، فهو كما يقول المصريون "مولد وصاحبه غائب"، أو بالأحرى هو بلد مختطف من قبل 8 و14 آذار وميشيل عون المسيحي الذي ما زال على العهد من حيث اعتقاده بأن البلاد بحاجة إلى الولي الفقيه، فترك له حسن نصر الله الساحة اللبنانية، ليتفرغ لنصرة حزب البعث في سوريا، وسمير جعجع موديل 2015 هو نفسه جعجع موديل 2005، ووليد جنبلاط ما زال كعادته يغير رأيه كلما تغيرت فصول السنة، ونبيه بري ما زال لغزا فلا تعرف هل هو "بره" اللعبة أم شريك فيها.

وحفاظا على ما تبقى من قواك العقلية، لا تحاول رصد ما يجري في سوريا، لأنك لن تفهم شيئا عما يجري فيها، فإذا سمعت أن المعارضة سيطرت على موقع ما، فلن تفهم أي معارضة فعلت ذلك، فهناك قوى تعارض وتحارب نظام "فشار" الأسد، وهناك فصائل تحارب النظام نفسه وتقاتل من يقاتلون النظام، ولعلمك فالمعنيون حقيقة وصدقا بما يجري في سوريا، هم غير المعنيين بالعمليات الحربية فيها، ويركزون على إغاثة قرابة أربعة ملايين سوري.

ولكن، وكما حدث في ما يخص الفلسطينيين، فإن اللاجئين السوريين سيصبحون قريبا نسيا منسيا، لماذا؟ هناك نحو 6 ملايين يمني لا يجدون الماء والطعام، ولهذا فمن المؤكد أن هيئة الإغاثة الدولية "أنروا"، لم تعد قادرة على غوث فلسطينيي غزة (أجزم بأن ذلك حادث رغم أنني توقفت عن ما يسمى مواكبة الأحداث، عبر وسائل الإعلام).

والشاهد هو أنني وأنت قطع في لعبة شطرنج، يتحكم فيها أطراف لا يعنيهم من أمرنا شيء، يقفزون بنا الى تكريت، ليقولوا إنها تحررت من داعش، ثم تسقط الرمادي والبمبي في يد داعش، فيقولون لك إن أمر داعش مقدور عليه، ولكن الأولوية ل"الحواثش"، أي نقيض داعش في اليمن، الذين يسمون أنفسهم أنصار الله، ويقصدون بذلك أن من ليس منهم من أنصار الشيطان.

 وحتى لو تجاهلت نصحي وتابعت مجريات الأمور عبر وسائل الإعلام، في بلاد راكدة كسوريا ولبنان والسودان واليمن والعراق، فلن تكون أفضل علما بمآلات تلك الأمور، ممن لا يتابعونها.

ألم تكن فلسطين قضيتنا الأولى المركزية؟ هل جدّ في ومن أمرها شيء خلال العامين الماضيين؟ (ما عدا أن جبريل الرجوب سحب اقتراحا تقدم به اتحاد كرة القدم الفلسطيني لمطالبة اتحاد كرة القدم العالمي بإلغاء عضوية إسرائيل فيه، وتحول محمد دحلان إلى فاعل خير يوزع الملايين "كاش" لأهل غزة؟) هل ما زال الصومال عضوا في الجامعة العربية؟ نعم هو كذلك، فهذه هي الجامعة الوحيدة في العالم التي لا تفصل الراسبين والمشاغبين، وظل الصوماليون ضحايا الحروب والمجاعات لربع قرن، ولكنه بلد "هامشي" في نظر العرب والغرب

مالك أنت وداعش والحوثيون والحشد الشعبي ("الشعبي" كلمة تخطئ جميع وسائل الإعلام في كتابتها ونطقها ورسمها الصحيح "الشيعبي") ونصر الله والبراميل المتفجرة، ونور الشريف وجنيفر لوبيز.. أرح بالك وابتعد عنهم بالابتعاد عن التلفزيون، خاصة وقد قيض الله لك الواتساب لتمارس عبره الونسة والسوالف والدردشة، التي يخلو معظمها من المثبطات والمحبطات الوارد ذكرها أعلاه.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل