قضايا وآراء

تل أبيض ووعد بلفور الأسود

جلال زين الدين
1300x600
1300x600
كشفت معارك تل أبيض وما تلاها من رفع علم حزب العمال الكردستاني ورفع علم الثورة السورية على استحياء، إضافة لاستبدال اسم المدينة، وإطلاق اسم كردي وغير ذلك من عمليات التهجير التي تعرضت لها القرى العربية، والتركمانية أن الساحة السورية لم تعد ساحة لتصفية الحسابات بين دول الإقليم فحسب، بل باتت سورية هدفا لمشروع استعماري خطير كان سببا رئيسا في بقاء الأسد على فراش الموت حيا حتى الوقت الراهن.

بدت تتكشف الحقائق التي من أجلها منعت القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة سقوط الأسد، لأن سقوط الأسد قبل هذه الفترة سيمكن الثوار الأحرار الإمساك بزمام الأمور والحفاظ على وحدة سورية، ورسم مستقبلها وفق ما يطمح له السوريون.

لا يختلف حال سورية اليوم عن حال الدولة العثمانية التي كانت أواخر عهدها نهبا لذئاب الاستعمار الغربي التي نهشت جسدها المريض فرسمت حدود سايكس بيكو، وأعطيت فلسطين عبر وعد بلفور هدية من التاج البريطاني للصهاينة، واليوم يجري الأمر ذاته على مستوى المنطقة العربية عموما بالانقلاب على الثورة المصرية ونصب المشانق للأحرار، وتسليم البلاد لشرذمة حاقدة تعتبر إسرائيل صديقا استراتيجيا، وحماس وحركات المقاومة تنظيمات إرهابية. ناهيك عن الانقلاب على الثورة اليمنية، ودعم الدولة العميقة في تونس، وخلق فتنة في ليبيا.

ولكن يبقى وعد بلفور الجديد ومشروع التقسيم أخطر ملمح استعماري، فلم يكتف المجتمع الدولي في ظل عجز وصمت عربي مثير للشكوك بتقسيم سورية طائفيا وعرقيا عبر تفتيت النسيج الاجتماعي وحرف الثورة عن مسارها الطبيعي، إذ تشير التطورات الأخيرة لنية واضحة بإعادة تقسيم سورية على نحو قريب من التقسيم الذي حاول الاستعمار الفرنسي فرضه بداية احتلاله لسورية، ولكن هذه المرة بيد السوريين.

ويضاف لهذا التقسيم وعد بلفور بنسخته الأمريكية للكرد والمتمثل بمحاولة إنشاء دويلة كردية تشمل شمال العراق وسورية، واتخذت أمريكا من الحرب على تنظيم الدولة الظلامي غطاء ومبررا لكل الإجراءات المساعدة لبروز هذه الدولة، فتعرض المحيط العربي السني والتركماني لحملة تهجير ممنهجة بوطأة أخف من تلك التي تعرض لها الفلسطينيون على يد عصابات الهاغانا لضرورات يتطلبها مشاركة العرب بالتحالف وحضارة القرن الحادي والعشرين.

ولا يخفى على أحد أن حزب العمال الكردستاني يفوق داعش في ظلاميته وإجرامه فضلا عن نهجه الإقصائي المتطرف الحاقد، ومما يؤكد المخاوف مدى التنسيق الرفيع بين التحالف الدولي (الأمريكي) وبين القوات الكردية على الأرض، فتقدم الولايات المتحدة غطاء جويا مكثفا لتحقيق تقدم كردي مترافق مع حملات تهجير، وممارسات لا تدع مجالا للنية الحسنة.

لا يغيب عن البال هنا العلاقات الإسرائيلية الكردية الجيدة التي تكاد تصل مستقبلا لعلاقات إستراتيجية علنية بعد أن تصل الدولة الكردية لموطئ قدم على البحر المتوسط، فإسرائيل تضغط على أمريكا لمنع سقوط الأسد بالوقت الراهن، وتقدم دعما لوجستيا للكرد في مشروعهم فضلا عن السماح للإسرائيليين المشاركة مع القوات الكردية على مستوى الأفراد، ولا نعلم إذا ما كان هناك دعما آخر على مستوى الدولة.

ينبغي على الولايات المتحدة لو كانت صادقة في حربها على تنظيم الدولة لكان عليها إزالة الأسباب التي برزت لبروز التنظيم بداية، لا العمل على تعزيز عوامل بقاء التنظيم من خلال الحرص على بقاء الأسد، ودعم الكرد في عمليات تهجير العرب السنة، ودعم المليشيات الشيعية الطائفية في العراق.

وقد بددت الولايات المتحدة الشكوك من خلال بيان التحالف الذي نص على أن ضربات التحالف تستهدف استئصال التنظيم في العراق، وإضعافه في سورية، إذ لا تريد الولايات المتحدة إنهاء تنظيم الدولة في سورية بل بقاءه ضعيفا لتبرير الدولة الكردية، ولإضعاف الدولة السورية المستقبلية كي لا تقوى على الوقوف بوجه وعد بلفور الأسود.

تسعى أمريكا من خلال الدولة الجديدة السيطرة على ثروات هائلة في الشمال العراقي والجزيرة السورية، ثروة تمكنها من إبقاء السيطرة على عجلة الاقتصاد العالمي، ناهيك عن بناء دولة صديقة لإسرائيل تتكفل بتحقيق أمنها المستقبلي، وهنا لم تعد إسرائيل دولة طارئة على المنطقة فلها مثيل ولو على درجة مختلفة فاليهود حققوا حلما إمتد عمره لآلاف السنين شأنهم شأن الكرد الذين يدعون أن هذه أرض معادهم.

وستكون هذه الدولة الجديدة في حال رؤيتها للنور عدا كونها مبررا لوجود إسرائيل ورقة ضغط بيد الولايات المتحدة تهدد بها دول الشرق الأوسط مجتمعة، وبؤرة توتر دائمة تستنزف الدولة السورية المستقبلية، وبذلك يتحقق الأمن الإسرائيلي عبر دول ضعيفة أو أنظمة موالية في المحيط.
ومما يؤسف له أن المشروع الأمريكي يجري بموافقة ومشاركة عربية مخزية، وسيكتب التاريخ أن تحالفا وضع لمواجهة الإرهاب ظاهريا بينما مهد عمليا لوعد بلفور.

وعليه ينبغي على العرب ألا ينجروا وراء مزاعم أمريكا وأن تكون تل أبيض إنذارا يعيدهم لرشدهم، ويقوموا بخطوات عملية حقيقية على الأرض تمكن السوريين من بناء سورية الموحدة والقضاء على الإرهاب الظلامي والمشروع الانفصالي الأشد ظلاما وخطرا.
التعليقات (2)
أديب يوسف
الخميس، 22-03-2018 12:00 ص
بوركت
محمد غريبو
الخميس، 25-06-2015 04:38 ص
الفرق بين وعد بلفور وما يجري في شمال سورية أن الأول هو وعد نزع أرضا من أهلها وأعطاها لغيرهم، أما الكرد فهم على أرضهم ولذلك فإن المقارنة بين الحالتين باطلة، ومن ثم فإن من حقهم أن يفكروا بإنشاء دولة لهم. هل سيكون نشوء دولة كردية دولة إسرائيلية ثانية في المنطقة؟ أظن أنها لن تكون الثانية قد تكون السادسة بعد الدولة الصهيونية الأولى في مصر والثانية في الأردن والثالثة في سورية والرابعة في لبنان والخامسة في السعودية وكل دول الخليج التي أثبتت أنظمتها أنها أسوء الأنظمة في العالم دكتاتورية. كلامي ليس للدفاع عن الدولة الكردية والأحزاب الكردية فأنا كردي عشت بين العرب ولم أعاني يوما من العنصرية أو المضايقات ، ولكن لا ينبغي أن نهول الأمر أكثر من حجمه.