مقالات مختارة

حقيقة تل أبيض

محمود أوفر
1300x600
1300x600
كتب محمود أوفر: زيادة التحرّكات في حدودنا السورية تشير إلى وجود مشاريع مختلفة تدخّلت في المنطقة.

في الواقع لم يكن هذا أمرا غير متوقع. كانت هذه مرحلة بدأت منذ تدخّل تنظيم الدولة في الموصل وسيطرته عليها.

وتهدف هذه العملية إلى بقاء نظام الأسد في سوريا، ومن ناحية أخرى إلى خلق الفتن بين تركيا والإقليم الكردي.

وقد تم المضي نحو هذا الهدف خطوة خطوة.. وما زال الأمر كذلك.
 
مبدئيا قام تنظيم الدولة بمحاولة خلق الفتنة بين تركيا وبرزاني بهجومه على أربيل وشنقال. ولم يستطع الوصول إلى هدفه، لأن العلاقة المبنيّة على الثقة والمصالح المشتركة بين تركيا وبرزاني حالت دون ذلك.

ولكن لا يمكن أن يُقال الشيء نفسه عن هجوم كوباني (عين العرب)، فالعمليات التي تم تنفيذها قبل أشهر في كوباني كوّنت موجة "القومية الكردية" وشملت تركيا وسوريا.

وقام الغرب - وعلى رأسه أمريكا - الذي يمهد الطريق لحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديموقراطي، بدعم هذه العمليات ضد تنظيم الدولة.
 
والآن نحن مقابل النسخة الثانية منه، ومسألة تل أبيض هي أول خطوة للنسخة الثانية. وتمهيد أمريكا لطريق حزب الاتحاد الديموقراطي بالتفجيرات لا يمكن أن يفسّر على أنه نتيجة عداوة لداعش فقط.

على الأغلب أنه خلف هذه العملية يوجد مشروع للتضييق على تركيا. وذلك من الممكن، إلا أن تقديم الحدث على أنه "ممر كردي" و"دولة كردية" يعتبر خيارا واعيا وفخا خطيرا.

هذا مشروع لجعل تركيا تقف وجها لوجه مع الإقليم الكردي.
 
وإن انعكاس الأحداث في تل أبيض على الأخبار ثمرة ذلك التفكير. يظهر في الأخبار أنه سيُقام "تطهير عرقي" وأنه يمهّد الطريق لـ"ممر كردي" في كل مكان عن طريق حزب الاتحاد الديموقراطي.

يتم النظر إلى المسألة تحت مسمى "القومية الكردية"، ولكن حتى وإن كان الذين خططوا لهذا الأمر ينظرون إلى الأمر هكذا، فإن الأكراد في تلك المناطق لن ينسوا أنهم أقارب تركيا.

ولهذا السبب، فإن من غير الصائب أن يتم تفسير الهروب من تل أبيض على أنه "تطهير عرقي". بالتأكيد يقوم حزب الاتحاد الديموقراطي باستغلال أساس القومية الكردية، إلا أنه كيان يتصرف بأيدولوجية.

ولذلك فإنه ليس فقط العرب أو التركمان، بل إن أكثر من 200 ألف كردي أيضا مؤيدين للبرزاني، اضطروا إلى ترك روجاوا واللجوء إلى العراق، فكيف يمكن تفسير ذلك؟
 
هذا النهج واللغة لا يحمل معنى سوى التحريض لـ"القومية". وربما هذا هو المطلوب أساسا. لأنه في 9 آب/ أغسطس 2013 تمّت السيطرة على تل أبيض من قبل جبهة النصرة، وفي ذاك الوقت نُشِر في الأخبار أنه "تمّت إبادة 450 كرديا" إلا أنه لم يهتم أحد لذلك. لماذا يا ترى؟
 
توجد فائدة من تغيير الجميع لزاوية نظرته. فلنتذكّر الأحداث في شمال العراق في نهايات عامي 1991 و2003. تلك العمليات أيضا كانت أمريكا هي التي فتحت لها المجال.

وقد قيل إنها "ستكون خطيرة على تركيا"، وفي تلك الفترة قام رؤساء حزب العمال الكردستاني بوصف برزاني بـ"خادم الإمبريالية".

بعد ذلك أثبتت تركيا عدم جدوى تلك الادعاءات، عن طريق تكوين علاقة مختلفة مع كردستان العراق بعد 2007.
 
والأمر العجيب، أنه بعد سنوات طويلة من اتهام حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديموقراطي لمشروع أمريكا وإسرائيل، فقد أخذهم الدور في ذلك المشروع وسكوتهم عن زرع بذور القومية السامة.

ومن الممكن عكس هذا الأمر، والقول إن حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديموقراطي تحت يد "العقول الكبيرة".

لا يهم؛ فعلى الرغم من كل شيء فإن العالم أجمع يعلم أن المجتمع الكردي و الأكراد في حاجة إلى تركيا ولا يمكنهم الاستغناء عنها.

ولذلك، فإنه يتم اعتبار أن عملية السلام الداخلية فرصة تاريخية، وهذا ما يجعل تركيا قوية.

يجب النظر إلى الأحداث من زاوية "إنسانية" لأجل مستقبل المنطقة وليس من زاوية "القوميات".

(عن صحيفة "صباح" التركية- ترجمة وتحرير: تركيا بوست، خاص لعربي21)
التعليقات (0)