مقالات مختارة

رمزية أردوغان

طلعت رميح
1300x600
1300x600
صور الإعلام الغربي وكثير من الإعلام العربي، ما جرى خلال الانتخابات البرلمانية في تركيا على أنه مجريات حرب ضد شخص أردوغان، وحين أعلنت النتائج تصرف البعض بمنطق المنتصر في الحرب عليه شخصيا.

من تابع الهجوم المتدفق على شخص أردوغان، سيجد صورة واضحة تتحدث بأن مشكلة العرب والغرب مع تركيا هي في وجود أردوغان قائدا، وأنها من دونه تصبح دولة مقبولة لدى تلك الأطراف. وتلك حالة لم تحدث في إعلامنا العربي ولا في الإعلام الغربي، حين كانت تركيا في وضع التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل، أو حين كانت تركيا واقعة تحت حكم العسكريين الأتراك.. إلخ.

ولما كانت السياسة، لا تتحدد وفقا للأهواء الشخصية أو بسبب المحبة أو الكراهية لشخص بعينه، فالأمر اللافت هو أن هذا الموقف الحربي من الإعلام ضد أردوغان لا يتناسب فعليا مع مواقفه السياسية. فالواقع العملي يفيد بأن مواقف أردوغان لم تجر بهذه الحدة التي تشعل مثل تلك الحرب عليه. فإذ حدد الرجل واتخذ مواقف حادة مما جرى ويجري في مصر، فإن قراءة مجمل المواقف التي اتخذها أردوغان، تظهر أنه لم يتحرك بزاوية ميل حادة تجاه أيا من قضايا الإقليم ولا على الصعيد الدولي، بل هو اعتمد استراتيجية المشكلات صفر التي أبدعها أوغلوا. 

نحن لم نر في الموقف من سوريا إلا ما تقول به كثير من الدول العربية الأخرى، فضلا عن أننا لم نشاهد قوات تركية تزحف في الأراضي السورية، ولم نر قوات أو حتى تحركات دبلوماسية حادة لتركيا في لبنان. 

وفي العراق لم نر لا قوات تركية ولا مواقف تركية حادة مما يجري هناك. أردوغان لم يحرك قواته العسكرية خارج بلاده طوال فترة حكمه وحزبه على الإطلاق. 

وفي الموقف من إسرائيل، فقد رأينا موقفا متدرجا، ويمكن القول متصاعدا من إسرائيل، لكنه لم يأخذ منحنى حادا إلى درجة إعلان دعم المقاومة بالسلاح. والقصد أننا إذا قارنا مواقف أردوغان بمواقف إيران في الإقليم، سنصل إلى حالة تصور تقربنا من فهم ما يجري، إذ إن أجهزة الإعلام ذاتها التي تشن الحرب على أردوغان، هي ذاتها التي لا تتخذ نفس الموقف من إيران ولا من إسرائيل!.

مشكلة أردوغان الحقيقية ليست بشأن مواقف المواقف السياسية الحالية للرجل وحزب العدالة والتنمية، اللهم إلا مواقفه تجاه ما يجري في مصر، بل هي بسبب الرمزية التي بات يمثلها. 

رمزية أردوغان هي مشكلته مع كل هؤلاء. فالرجل صار رمزا لعودة تركيا الإسلامية، وهو أمر يحسب له حسابه في تغيير التوازنات الحضارية سواء مع أوروبا أو مع إيران أو روسيا –على الأقل- وفي ذلك بدا واضحا أن للرجل وحزبه خطة واضحة دقيقة أقلقت هؤلاء. وهو صار رمزا ونموذجا ناجحا وجليا لقدرة الإسلاميين، ليس فقط على التعايش في أجواء الديمقراطية، بل هو من رسخ الديمقراطية في تركيا، دون صدام مع العلمانية، حين تمكن من إنهاء قدرة العسكر على الانقلاب عليها، وتلك رمزية تقلق أطرافا غربية بقدر ما تقلق إسرائيل، إذ مثل هذا النموذج يحل إشكاليات فكرية وسياسية وتاريخية أحاطت بالحركات الإسلامية، وأريد لها أن تظل محيطة بها، حتى لا يفتح الطريق لاستقرار الدول الإسلامية، ولتظل داعش والقاعدة هي العنوان الوحيد للإسلام والحركة الإسلامية. 

والرمزية الثالثة لأردوغان، تتعلق بالقدرة على التطوير الاقتصادي لتركيا. والأمر هنا لا يتعلق بالموقف من قوة تركيا الاقتصادية فقط، بل بالنموذج الذي خطته التجربة، إذ إنه ثبت للجميع قدرة حزب إسلامي على إحداث تنمية اقتصادية، وقد كانت الكثير من نماذج الحكم للإسلاميين نماذج فشل يستنسخ بعضها بعضا، وقد أريد لها أن تظل كذلك، ولعل ما يوضح تلك الأهمية ودرجة الحرب على من يحققها هو ما سبق أن تعرضت له تجربة رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد من حرب اقتصادية وسياسية وإعلامية. 

والرمزية الرابعة لأردوغان وحزبه التي أقلقت كل هؤلاء، هي أن تركيا نجحت في التخطيط الاستراتيجي وفي النمو والتنمية وفق نموذج إنساني، متعارض مع نمط الرأسمالية الليبرالية التي تعصف بالفقراء.

تلك الرمزية -لا المواقف السياسية- هي ما وحد الخارج مع المعارضة في الداخل، لشن الحرب على أردوغان، وهي في المعنى العام حرب استباقية على ما هو قادم قبل أن تكون حربا بسبب ما هو جار.



(نقلا عن صحيفة بوابة الشرق)
التعليقات (0)