نشرت صحيفة إلموندو الإسبانية تقريرا بمناسبة مرور سنة على سيطرة
تنظيم الدولة على مدينة
الموصل العراقية، نقلت فيه شهادات السكان حول الطرق التي يعتمدها التنظيم لإحكام قبضته على المدينة، وقالت إنه حولها إلى سجن كبير من عصر القرون الوسطى.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن ساحة باب الطوب، التي كانت في السابق مكانا للتنزه والالتقاء بالأصدقاء، أصبحت ساحة إعدام. وأشارت إلى أن هذه الحديقة المزروعة في قلب مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، والتي كانت في السابق تمثل مصدر فخر لأهالي المدينة الملقبة بلؤلؤة الشمال، أصبحت رمزا للرعب والدموية.
فقبل عام من الآن، وقعت الموصل في قبضة تنظيم الدولة، الذي حولها إلى مختبر لتطبيق نظرياته الاجتماعية والسياسية، كما تقول الصحيفة.
وبحسب الصحيفة، أحكم تنظيم الدولة سيطرته على الموصل عبر سياسة العقاب القاسي، والتطهير الطائفي، والرقابة المشددة على سلوك الناس، وفرض قائمة طويلة من الممنوعات التي تتوسع يوما بعد يوم.
ونقلت عن الصحفي من مدينة الموصل، فراس الحمداني، أنه "رأى بأم عينيه في ساحة باب الطوب، عمليات قطع الأيادي ورمي الناس من أسطح البنايات العالية".
وذكّرت الصحيفة بأنه في العاشر من حزيران/ يونيو من السنة الماضية، هاجم مئات المقاتلين المدينة على متن الشاحنات الخفيفة، فلاذ نحو ثلاثين ألفا من الجيش والشرطة العراقية بالفرار، دون أدنى محاولة للتصدي لعناصر التنظيم، رغم أنه تم تدريبهم على يد القوات الأمريكية ليدافعوا عن المدينة. وقد تركت هذه القوات العراقية وراءها ثروة هامة لتنظيم الدولة، تتمثل في مدرعات الهامفي الأمريكية التي باتت تستعمل للعمليات الانتحارية، ودبابات أبرامز المصنعة في الولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن الحاج إبراهيم، أنه "يذكر جيدا ذلك اليوم المشؤوم، عندما تدافع الناس هاربين مع وصول عناصر التنظيم، تاركين وراءهم منازلهم وممتلكاتهم، وهو يعيش اليوم مثل الكثيرين من أبناء الموصل في مدينة دهوك التابعة لكردستان العراق، والواقعة على بعد سبعين كيلومترا من مدينتهم التي أصبحت اليوم معقلا لتنظيم الدولة.
كما نقلت الصحيفة عن أحد سكان الموصل، الذي حاورته بالهاتف مع عدم كشف اسمه، أن "المدينة لن تعد كما كانت في السابق، فقبل أسابيع قليلة قام التنظيم بإعدام أحد أصدقائه، بعد أن وشى به أحد جيرانه لأنه كان يعمل ضمن المخابرات العراقية".
وأضاف المصدر ذاته للصحيفة أن جماعة أبي بكر البغدادي تدير المدينة دون شفقة أو رحمة، وبعد 11 شهرا من سيطرتهم على المدينة، لا شيء يمكن أن يحصل دون موافقتهم، لأنهم يسيطرون على كامل المدينة، ولو كانوا يستطيعون مراقبة الهواء الذي يتنفسه السكان، وفرض أتاوة عليه، لفعلوا ذلك دون تردد".
كما تحدثت الصحيفة مع حسن حسن، مؤلف كتاب "تنظيم الدولة، داخل جيش الرعب"، الذي اعتبر أن "التنظيم عمل بجد لربط علاقات مع بعض الناس وبناء ما يشبه الدولة، مستفيدا من غياب كلي للدولة العراقية، فقد بنى هذا التنظيم نفسه على أنقاض الدولة العراقية التي دمرها الغزو الأمريكي للعراق في سنة 2003، خاصة بعد أن تم تهميش الطائفة السنية والدفع بها نحو أحضان الحركات المتطرفة".
وأضافت الصحيفة أن تنظيم الدولة أرسى نظاما إداريا بيروقراطيا يشمل كل نواحي الحياة، وقسم المهام على الدواوين، مثل ديوان الخدمات، وديوان التعليم، وديوان القضاء والمظالم، وجهاز الشرطة المكلف بمراقبة تصرفات الناس ومدى انضباطهم للتعليمات، المسمى "الحسبة".
كما نقلت الصحيفة عن أحد النشطاء من أبناء المدينة، يدير صفحة على "فيسبوك" اسمها "عين الموصل"، أن التنظيم منع تدخين السجائر والنرجيلة، كما أنه لا يسمح بقراءة أي شيء غير الكتب الدينية التي تتماشى مع أفكاره، وتم غلق المكتبات ومنع بيع الكتب "التي تشجع على الردة والكفر"، أما الذين يتابعون مباريات الدوري الإسباني، فإن عقوبتهم هي ثمانون جلدة، وعقوبة بيع التبغ ارتفعت من سبعين جلدة، مع غرامة مالية في البداية، إلى حكم بالإعدام".
ونقلت الصحيفة عن عائشة، وهي واحدة من أهالي الموصل اضطرت للجوء لدهوك في إقليم كردستان، أن التفجيرات الانتحارية ونقاط التفتيش تمنع التنقل بين المدينتين. لذلك، فإنها على غرار آلاف العائلات الأخرى، محرومة من التواصل مع أحبائها في الموصل، كأن خط المواجهة بين قوات البشمركة الكردية وعناصر تنظيم الدولة تحول إلى جدار افتراضي، لا يمكن عبوره رغم أن التنقل بين المدينتين لا يزيد عن ساعة بالسيارة.
وأشارت الصحيفة إلى أن تنظيم الدولة قام خلال السنة الماضية بقطع الاتصالات الهاتفية، ليزيد من عزلة السكان، وحتى من يمتلكون الوسائل للاتصال بأقاربهم أصبحوا لا يجرؤون على ذلك، لأن التنظيم هدد بقطع أذن كل من يضبط وهو يقوم بالاتصال".
وذكرت الصحيفة أن التنظيم يسعى لمجابهة المشكلات العديدة، المتعلقة بالبطالة ونقص الوقود وارتفاع الأسعار، عبر تأمين بعض الخدمات الاجتماعية، وتوزيع بعض الأراضي والممتلكات على السكان، بعد أن تمت مصادرتها من أصحابها الشيعة والمسيحيين، حسب الصحيفة.
لكن صرامة التنظيم أدت لتحسين خدمات النظافة والصحة، وهو ما جعل البعض من السكان يعتبرون أن العيش تحت راية التنظيم أفضل من العيش تحت حكم طائفي.