رغم غرائب وطرائف أحكام القضاء المصري في القضيتين الهزليتين "الهروب من سجن وادي النطرون" و"التخابر مع حماس"، والتي يحاكم فيهما الرئيس المعزول محمد مرسي وقيادات الإخوان وحماس، إلا أنني لم أهتم كثيرا بها، فهذا هو المعتاد من القضاء المصري بعد الانقلاب.
الأمر الذي لفت نظري في حديث القاضي المستشار "شعبان الشامي" قبل إصداره لأحكامه العبثية، أنه سمى القضايا بأسمائها الإعلامية، بل مهد لها بالقول "الجناية رقم 56458 لسنة 2013 جنايات مدينة نصر أول، المعروفة إعلاميا بقضية التخابر الكبرى". و"الجناية رقم 56460 لسنة 2013 جنايات مدينة نصر أول، المعروفة إعلاميا بقضية الهروب واقتحام السجون".
ما يثير الدهشة هو تقمص القاضي لدور الصحفيين والإعلاميين، فالمفترض أن يتحدث فقط عن رقم القضية والسنة الخاصة بها، أما أن يتجاوز ذلك للحديث عن "القضية المعروفة إعلاميا" فهذا هو المستغرب، لأن مهمة تفسير الحكم وإطلاق المسميات عليها هي من مهمة الصحفي وليس القاضي.
ذكرني ما حدث بالمهازل التي حدثت أثناء إعادة محاكمة مبارك، عندما تقمص القاضي "محمود الرشيدي" دور المذيع، وتعامل مع الحلقة باعتبارها إحدى حلقات برنامج توك شو مسائي، وكان يحرص على تلبية طلبات قناة "صدى البلد" التي تنقل المحاكمة حصريا، ومساعدتها في إيصال أصوات المتهمين إلى ميكروفوناتها، والخروج بالفواصل الإعلامية، وتعدى ذلك إلى السماح لفريق عمل القناة بالدخول إلى بيته وعمل تقرير مطول عن مكتبه الذي يقوم فيه باستعراض أوراق القضية، وكيف يسهر الليالي الطوال مع هيئة المحكمة لمناقشة الملفات، والمعاناة التي عاشوها لقراءة وفحص آلاف الأوراق للخروج بالحكم النهائي. وقام بعمل حوارات صحفية أثناء نظر القضية رغم أن ذلك يتعارض مع وظيفته، وقال في هذه الحوارات إنه يتابع كل ما يكتب عن القضية في وسائل الإعلام! وبعد كل ذلك خرج الحكم كما توقع أصغر شاب في مصر لم يقرأ الورق الذي قرأه سيادة المستشار ولم يفحصه ولم يسهر مثله، بل استشف الحكم وتوقعه من تصرفات رئيس المحكمة نفسه.
ما رأي سيادة المستشار "شعبان الشامي" في شهرته التي اكتسبها بعد أحكامه الأخيرة؟ هل نطلق عليه "القاضي المعروف إعلاميا بقاضي الإعدامات"، أعتقد أن هذا اللقب لن يميزه، لأن هناك زملاء مهنة آخرين استحوذوا على ذلك اللقب وحققوا أرقاما قياسية في عدد أحكام الإعدام التي أصدروها، مثل المستشار "سعيد يوسف" رئيس محكمة جنايات المنيا، الذي أحال أكثر من ألف شخص إلى المفتي في قضيتين فقط، والمستشار "محمد ناجي شحاتة" الذي نافسه بقوة في أعداد المحالين إلى المفتي في عدد كبير من القضايا التي ينظرها.
هناك لقب آخر يمكن أن يميز المستشار شعبان الشامي، وهو "المعروف إعلاميا بقاضي إعدام الشهداء والأسرى"، إذ على الرغم من وجود سوابق لهذا الأمر في القضاء المصري الشامخ (إصدار أحكام بالسجن على أشخاص متوفين)، إلا أن أحدا لم ينل شهرة كالتي نالها المستشار فيما يتعلق بهذا الموضوع، خاصة أن من بين هؤلاء قادة كبار في حركة حماس، كثيرا ما أوجعوا إسرائيل بعملياتهم، وأيضا بعد تصريح المستشار "التاريخي" الذي قال فيه إنه ليس هناك أدلة على أن هؤلاء المتهمين قد ماتوا فعلا. وهو ما فجر موجة واسعة من السخرية. لأن السيد المستشار ليس لديه أدلة أنهم متوفون، لكن لديه أدلة أنهم قاموا باقتحام الحدود وفتح السجون وإخراج المساجين منها، ولذلك فقد حكم عليهم بالإعدام!
أرى أن اللقب الثاني هو الأنسب لسيادة المستشار، وأقترح عرض هذين اللقبين عليه ليختار منهما ما يشاء، أو حتى يختار لنفسه لقبا ثالثا يتناسب مع عبثية المشهد، وذلك حتى يسهل تعريفه للجمهور ويصبح له اسم "معروف إعلاميا".