في
مخيم أوبخ
الجيبوتي، على شواطئ البحر الأحمر، يقبع المئات من
اللاجئين اليمنيين في منطقة معزولة أشبه بسجن، حيث يلفح القابعين فيه لهيبُ حرارة الصحراء نهارا، ويطاردهم عواء الذئاب وزمجرة الضباع ليلا.
المخيم يبعد عن مدينة أوبخ حوالي خمسة كيلومترات، وتم إنشاؤه حديثا قرب الساحل اليمني في منطقة مشهورة بانتشار الحيوانات البرية المفترسة والزواحف والحشرات، ويضم 940 لاجئا يمنيا، توزعوا على 120 خيمة لا تتسع الواحدة منها لأكثر من أربعة أشخاص.
وهو عدد مرشح للزيادة مع استمرار الحرب في اليمن بين جماعة "أنصار الله" (الحوثي) ووحدات من الجيش موالية للرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، وبين تحالف تقوده السعودية، الجارة الشمالية لليمن، وهو ما شرد حوالي نصف مليون يمني (من أصل 26 مليون نسمة) داخل البلد وخارجه، وفقا لتقدير الأمم المتحدة.
وثمة إقبال يمني على اللجوء إلى جيبوتي، البلد العربي في منطقة القرن الأفريقي، لكون الرحلة أسهل وأقل وقتا، حيث لا تتجاوز المسافة بين ساحلي اليمن وجيبوتي في نقطة معينة الثلاثين كيلومترا فقط، يعبرها اللاجئون على متن قوارب صيد متهالكة، في رحلة لجوء عكسي بعد أن كان اليمن مقصدا للاجئين جيبوتيين.
"خرجت من (مديرية) بني حارث (في العاصمة اليمنية صنعاء) إلى جيبوتي بطفلتي الصغيرة وأنا حامل أيضا في شهري قبل الأخير.. خرجت مع أمي وأخواتي وتركت زوجي وهو يدافع مع اللجان الشعبية ضد الحوثيين".. هكذا بدأت اللاجئة أحلام محمد علي التحدث لمراسل الأناضول عن معاناة اللجوء في البلد الفقير، الذي يقطنه حوالي 810 آلاف نسمة.
عبارات أحلام تتداخل بين معاناة اللجوء والبحث عن نبأ عن زوجها الذي انقطعت أخباره منذ أن حطت رحالها في المخيم الجيبوتي، وقالت: "أعيش بين درجة حرارة المخيم التي تتجاوز الأربعين نهارا وبين أرق يلازمني منذ فارقت زوجي، فلا أعرف شيئا عن مصيره".
وإن كان خوف أحلام من ويلات الحرب قد انتهى بخروجها من اليمن فإن خوفا جديدا بات يطاردها: "ابتعدنا عن أصوات المدافع، لكن الخوف يطاردنا مع أصوات الذئاب والضباع ليلا، وقصص منتشرة عن حيوانات مفترسة، حتى إن الخوف بات يطارد أطفالنا في مخيم لا نشعر فيه بالأمان".
وبينما كانت تمسح على رأس طفلتها التي فطمتها قبل عام، ويرتسم الأسى على عينيها، قالت أحلام: "أشعر بأن الدنيا تضيق بي، فعندما أفكر في اقتراب ساعة وضع الجنين الذي في بطني، والذي حان شهره، لا أجد إجابة، فلا يوجد مستشفى ولا مركز صحي ولا حتى طبيب أتابع معه حالتي في مخيم لا تتوافر فيه أدنى مستويات الخدمات الصحية والاجتماعية".
معظم سكان مخيم أوبخ، الذي لا يوجد حتى سور يحمي من لاذوا به، هم من النساء والشيوخ والأطفال، ولا يستطيعون، بحسب روايات العديد منهم، الخروج من المخيم، خشية لهيب الشمس نهارا والحيوانات المفترسة والزواحف ليلا.
وربما يختزل حال الصبي حمادة على الحمادي (14 عاما)، الذي يعيش مع أفراد من أسرته في المخيم، واقع أطفال اليمن تحت وطأة الحرب ومخيمات اللجوء.
فما إن توقف مراسل الأناضول عند خيمة أسرة الحمادي، حتى داهمه الصبي سائلا: "يا عمو متين (متى) نرجع صنعا (صنعاء)؟"..
الحمادي انطلق متحدثا عن أصدقائه في صنعاء وزملاء الدراسة الذين افتقدهم منذ أن وصلوا إلى جيبوتي، وهو يتحسر بقوله: "والله لولا الحرب لكنت هذا الشهر أجلس لامتحان المرحلة الابتدائية".
ويتمنى الصبي اليمني عودة سريعة إلى منزله: "والله فقدنا بيتنا وسكنا في خيمة لا نستطيع اللعب فيها ولا نجد الراحة.. لا نستطيع اللعب في النهار من شدة الحر.. ونخاف اللعب في الليل لأصوات الحيوانات التي نسمعها".
بين اللاجئين اليمنين يوجد لاجئ إريتري، يدعى آدم محمد آدم، يعاني من شلل في يده، وتبدو مأساة لجوئه مضاعفة.
آدم قال للأناضول: "قصتي تبدأ باللجوء وتنتهي باللجوء.. خرجت من وطني إريتريا إثر الحرب الإريترية - الإثيوبية الأخيرة عام 2000 إلى اليمن لعلي أجد فيه متسعا من الرزق بعد أن صعُبت الحياة في إريتريا".
وتابع موضحا: "لجأت إلى اليمن مع أسرتي التي تتكون من أربعة أفراد، وبدأت حياتي والأحلام تراودني في العودة (إلى إريتريا)، لكن قدر اللجوء كان لي بالمرصاد، حيث بدأت رحلة جديد في اللجوء من اليمن إلى جيبوتي... أنا الآن أخاف على مستقبل تعليم أبنائي.. المخيم لا توجد فيه أبسط الخدمات".
ومع الخوف يبدو آدم قلقا من مستقبل غامض في وضع قال عنه لمراسل الأناضول: "أنا محتار في أمري، فالرجوع إلى إريتريا سيكون نهاية مأسوية لمستقبل تعليم أبنائي بعد غياب 15 عاما.. أناشد الأمم المتحدة أن تأخذ بيدي وتنقلني إلى دولة أخرى (غير إريتريا واليمن وجيبوتي) من أجل مستقبل أبنائي، فالعودة إلى إريتريا ستعني دمارا لمستقبل أبنائي الذين لجأت إلى اليمن من أجلهم.. والواقع في المخيم الجيبوتي هو الآخر يمثل معاناة".
ومخيم أوبخ هو أحد مخيمات اللجوء المؤقت في جيبوتي، التي لجأ إليها حوالي 13 ألف يمني، بحسب السفير اليمني في جيبوتي، حمود العديني، في تصريح صحفي قبل أيام أقر فيه بأن السفارة تعجز عن تلبية احتياجات هؤلاء اللاجئين.