يعاني مئات آلاف السوريين المدنيين القابعين تحت حصار خانق منذ أكثر من عامين في الغوطة الشرقية، من فقدان شبه تام لخيرات الغوطة الوفيرة، التي كانت مضرب الأمثال عبر قرون من الزمن؛ حيث كانت حقولها ومزارعها هي المخزن الكبير والاستراتيجي لجل أنواع الأغذية والأطعمة على مستوى بلاد الشام قاطبة.
لكن الإرادة وحب الحياة دفعا بالأهالي ممن حوصروا في الغوطة الشرقية لكي يتجهوا لابتكارات جديدة وأطعمة تحاكي الواقع بالشكل غالبا وليس في المضمون، ساعين من خلالها إلى إخراج الكبار والصغار من أجواء الحصار الذي يفرض قيوده النظام السوري على مدن الغوطة منذُ خروجها عن سيطرته قبل أعوام، وعاملين من خلالها على تخفيف نسبة الصرف المالي على الغذاء للحفاظ على ما لديهم لأكبر وقت ممكن.
ومن هنا بدأت الفكرة والحكاية التي يروي مراحلها أكرم أبو الفوز، أحد الناشطين في الغوطة الشرقية، لـ"عربي21"، ويقول: "لقد ابتكر أهالي غوطة دمشق في الآونة الأخيرة كباب الثورة، وهو نوع من أنواع المشاوي التي تشتهر بها الغوطة منذ عصور".
وأضاف: "ألحقت كلمة ثورة باسم هذا الكباب بسبب تعويض مادة اللحمة التي لا تدخل في إنتاج الكباب، رغم أنه من المعروف أن مشاوي الكباب تعتمد اعتمادا كليا على مادة اللحم، ولكن مع قلتها في الغوطة وارتفاع أسعارها، استعاض الأهالي عنها بكلمة ثورة لإذكائها بنكهة جديدة قد لا تساوي قيمة اللحم المادية، ولكنها قادرة على مساواتها معنويا على أقل تقدير".
تصل تكلفة إنتاج "كباب الثورة" إلى ألفي ليرة سورية، أي ما يعادل بشكل تقريبي ثمانية دولارات. ومكونات "كباب الثورة" هي كيلو غرام من الطحين، وعدد من قطع الجزر، ومثلها من البقدونس، وبهارات المشاوي، وبعض المايونيز. ويتم تقطيع البقدونس إلى قطع ناعمة جدا، ومن ثم البدء بعملية عجنها بمادة الطحين، ووضع التوابل، ومن تتم عملية اللف على الأسياخ "كما لو أننا نقوم بعملية شواء الكباب الطبيعي، وبعد تركها لفترة يتم إخراجها من الأسياخ ووضعها في قالب الزيت الذي وضع فوق الحطب لعدة دقائق، وبجوارك أطفالك الذين ينتظرون أن يأكلوا الكباب المشوي"، وفق ما يشرحه أبو الفوز.
ويشير أبو الفوز إلى شدة سعادة الأطفال بأنهم سيأكلون الكباب، ويضيف: "تراودك دقائق معدودة بأنك فعلا ستطعمهم الكباب المشوي، وليس البقدونس مع الجزر والطحين".
ويتابع: "عقب الانتهاء من التحضير، يوضع صحن كباب الثورة مع المايونيز، مع قليل من الخضار، والأطفال يأكلون ووالدهم غير قادر حتى أن ينظر إليهم بسبب الحالة السيئة التي وصلوا إليها، وأنه اضطر أن يكذب على أطفاله ليفرحهم، ويخرجهم خارج الحدود الجغرافية للحصار، وكل ذلك ضمن أحلام اليقظة التي تعيشها عشرات العوائل في الغوطة الشرقية".
ويردف الناشط الإعلامي: "اللجوء لكباب الثورة هو بسبب قلة الأموال، وبهدف توفير القدر الممكن منها، إذ إن الكيلو الغرام الواحد من اللحوم في الغوطة الشرقية يقدر سعره بـ3200 ليرة سورية، وسعر ربطة الخبز الواحدة 1000 ليرة سورية، أي أنك بحاجة لمبلغ 4200 ليرة سورية لإطعام عائلتك وجبة واحدة في اليوم، هذا إن قررت إطعامهم اللحمة يوما ما، أما كباب الثورة فيكلف تحضيره 2000 ليرة سورية ولا يحتاج للخبز".
وختم أبو الفوز بالتعبير عن "الأمل أن تتحول أحلام اليقظة إلى واقع يعيد للغوطة مجدها المعهود منذُ عقود، وتعود الابتسامة إلى وجه أطفالها الصغار، وعيون الكبار".