مقابلات

خبير فلسطيني لـ"عربي21": عمليا لا يمكن إقامة دولة عاصمتها القدس

حذر التفكجي من وجود قدس أخرى تحت الأرض بسبب الأنفاق
حذر التفكجي من وجود قدس أخرى تحت الأرض بسبب الأنفاق

* هناك "قدس" أخرى تحت الأرض ولكن لا نراها
* خطر كبير يتهدد الهوية المقدسية
* الاحتلال يخطط لطي ملف القدس بشكل نهائي


أكد خليل التفكجي، خبير الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية ومسؤول ملف الخرائط في "بيت الشرق" في القدس المحتلة، أنه من "المستحيل إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس المحتلة" عمليا، لأن الاحتلال الاسرائيلي "حاصر القدس وأهلها بالمستوطنات من جميع الجهات، ويسعى لضم تلك الكتل الاستيطانية للقدس".

وحذر التفكجي، في حوار خاص مع "عربي21"، أن للاحتلال "استراتيجية واضحة تجاه الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة"، موضحا أن تلك الاستراتيجية تفضي "لعزل التجمعات الفلسطينية بعضها عن البعض، والتوسع بالبناء في تلك المستوطنات؛ لأن البناء في هذه المستوطنات هو كالبناء في تل أبيب بالنسبة لإسرائيل".

وحذر خبير الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية من خطورة الأنفاق الأرضية الموجودة داخل البلدة القديمة، مؤكدا أن الاحتلال "مستمر في نخر القدس بشبكة من الأنفاق الأرضية؛ بعضها معلوم وبعضها مجهول".

وأضاف: "الاحتلال بنى قدسا تحت الأرض وأخرى فوقها ملغمة بالبؤر الاستيطانية، والأخيرة نراها ونكشف حدودها، أما التي تحت الأرض فلا يمكننا رؤيتها ولا كشف جميع حدودها".

ومع اشتداد وتكثيف الحملات الإسرائيلية لمحو الهوية المقدسية، أشار التفكجي إلى أن المواطن المقدسي، من أجل الحفاظ على تواجده داخل مدينة القدس، ليس أمامه إلا "طريقان أحلاهما مر: الأول أن يحمل الجنسية الإسرائيلية ويتخلى عن فلسطينيته، وبالتالي لا نقاش على حقوقه لأنه أصبح إسرائيليا، والثاني أن يحمل جنسية أجنبية وبعد ثلاثة أشهر يتم إزاحته عن القدس".

وتابع: "إسرائيل ماضية بذلك بشكل كامل وجدي، بدأت بتغيير المناهج في المدارس، وتغيير أسماء الشوارع والأحياء، وعبر إعطاء الجنسيات الإسرائيلية، وسحب الهويات"، وكل ذلك سيؤدي بحسب الخبير "لطي ملف القدس بشكل نهائي".

وفيما يلي نص الحوار:

* كيف ترى حال التجمعات السكانية الفلسطينية بالقدس بحلول عام 2020؟

- حقيقة الاحتلال الإسرائيلي لديه رؤية واستراتيجية واضحة تجاه الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة، فهو يحاصر التجمعات السكانية الفلسطينية ببناء المستوطنات حولها وداخل الأحياء الفلسطينية أيضا، لتُصبح تلك التجمعات ليس أكثر من فسيفساء داخل الأحياء اليهودية. واضح جدا أن الاحتلال يعمل على عزل التجمعات الفلسطينية عن بعضها البعض، من خلال إحاطتها بالمستوطنات من جميع الجهات، فكل الأراضي الفلسطينية الاحتياطية للبناء المستقبلي غير موجودة وترتبط بإسرائيل بشكل مباشر، تماما كما هو الحال في منطقة رأس العامود، سلوان، جبل المكبر، ومنطقة الشيخ جراح؛ جميعها عمد الاحتلال الإسرائيلي على زرع بؤرة استيطانية فيها، ليصبح من المستحيل في أي مستقبل سياسي قادم بفعل محادثات سلام أو تسوية؛ فصل القدس الغربية (غرب القدس المحتلة) عن الشرقية (شرق القدس المحتلة).

* كم هي المساحة التي صادرها الاحتلال من الأراضي الفلسطينية بالقدس المحتلة لصالح الاستيطان؟ وهل سيستمر على ذات النهج؟

- منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للقدس في العام1967 وحتى يومنا هذا تمت مصادرة قرابة 24 كيلومترا مربعا من أراضي القدس للمصلحة العامة، أُقيمت عليها 15 مستوطنة إسرائيلية، بعضها لم تقم أو ستقام ضمن مشروع القدس 2020، بمعنى اخر من مساحة الـ8 في المئة المخصصة للفلسطينيين لم يتبق منها إلا 13 في المئة، بمعنى أن هناك أراضي غير منظمة، أو أراضي خضراء، أو شوارع أو أنفاقا أو جسورا، هذه كلها تحت السيطرة الاسرائيلية، وبالتالي عندما نتكلم اليوم عن قضية القدس الشرقية؛ هناك 87 في المئة من مساحة القدس الشرقية تحت السيطرة الاسرائيلية المباشرة أو غير المباشرة .

* آثارها على السكان؟

- لا شك أن آثارها خطيرة على السكان، فتلك الأراضي التي استولى عليها الاحتلال وأقام مستوطناته (عليها)، كانت احتياطا للتوسع السكاني الفلسطيني مستقبلا، ولكن استيلاء الاحتلال عليها ضيق على التجمعات الفلسطينية وحصرها، حتى أضحت مخيمات مكتظة جدا بالسكان تعاني على المستويين الاجتماعي والصحي.

* يدور حديث حول توسعة مستوطنة "غوش عتصيون"، ما حقيقة هذا؟ وما هي خطورته على واقع القدس الديموغرافي؟

- صحيح، فالمخطط الاستيطاني يقضي بتوسيع التجمع الاستيطاني "غوش عتصيون" ليصل إلى شواطئ البحر الميت ضمن حلم "إسرائيل" بتنفيذ مشروع القدس الكبرى.

اليوم القدس تشكل 1.2 في المئة من مساحة الضفة الغربية، والهدف من توسيع "غوش عتصيون" هو إقامة القدس الكبرى بالمفهوم الإسرائيلي على 10 في المئة من مساحة الضفة الغربية، بالإضافة إلى تغيير الواقع الديموغرافي لصالح الاحتلال الاسرائيلي وضم الكتل الاستيطانية لداخل القدس، بحيث تكون الأغلبية إسرائيلية بينما الأقلية للعرب، الأمر الذي يستحيل معه إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، كونها محاصرة بالاستيطان من جميع الجهات، ولا يوجد أي مستقبل لبناء أي مؤسسات سيادية تمكن الفلسطينيين من إقامة دولتهم.

* ماذا عن الأنفاق الأرضية تحت المدينة المقدسة؟

- لا شك أن الأنفاق الأرضية موجودة داخل البلدة القديمة منذ عام 1976، ولا زالت "إسرائيل" مستمرة حتى الآن في سياستها بنخر القدس بالأنفاق الأرضية. والحقيقة أن شبكة الأنفاق تلك بعضها معلوم لدينا وبعضها الآخر مجهول. الأنفاق موجودة و"إسرائيل" بنت قدسا تحت الأرض وأخرى فوقها ملغمة بالبؤر الاستيطانية، والأخيرة هي التي نراها ونكشف حدودها بالعين المجردة، أما "قدس الأنفاق الأرضية" فلا يمكننا كشف جميع حدودها، لأننا حين يسمح لنا بدخول تلك الأنفاق لا نصل إلى نهاياتها فنعرف مداخلها ومخارجها. فقط حين تحدث انهيارات لبعض البيوت أو تشققات في بعض الطرق ندرك أن نفقا في الأسفل.

* هل تُستخدم تلك الأنفاق كـ"طرق"؟

- في اعتقادي أنها للسياحة، الهدف منها طرح وتعزيز الرواية اليهودية بوجود الهيكل المزعوم.

* ماذا عن القطارات الخفيفة بالقدس وما حدود خطورتها؟

- مع الأسف، "إسرائيل" انتهت من تنفيذ سكك القطارات الخفيفة وأتمت تشغيلها أيضا. وخطورتها تتمثل في ربط كل المستوطنات مع بعضها البعض وتوسيعها بشكل كبير وانسيابي. والحقيقة أن هذا المشروع كان مرفوضا من فرنسا وضغطت على الشركات بعدم تنفيذه؛ إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لم يلق بالا لهذا الرفض، وكأنه يوصل رسالة للعالم بأن المستوطنات الموجودة في الجانب الشرقي من القدس المحتلة، والتي تمت إقامتها بعد عام 1976، جزء من الدولة العبرية، وأن البناء في هذه المستوطنات هو كالبناء في تل أبيب.

* كل الممارسات الإسرائيلية بحق المقدسيين تهدف إلى محو هويتهم.. إلى أين وصلت "أسرلة" المقدسيين الفلسطينيين؟

- حقيقة أن هذه مشكلة يواجهها الفلسطيني المقدسي في الهوية، فهو ليس فلسطينيا وليس أردنيا وليس إسرائيليا. فبحسب الإقامة؛ الدولة العبرية منحت المقدسيين إقامة دائمة، وفي نفس الوقت بعد فك الارتباط أنت لست أردنيا باعتبار أنك تحمل وثيقة أردنية، وأنت (المقدسي) لست فلسطينيا لأنه بحسب اتفاقية أوسلو لا يسمح لك بحمل الهوية الفلسطينية. المطروح الآن أمام المقدسي طريقتان أحلاهما مر؛ فهو إما أن يحمل الجنسية الإسرائيلية ويتخلى عن فلسطينيته وبالتالي لا يعود النقاش على حقوقه لأنه أصبح إسرائيليا، أو أن يحمل الجنسية الأجنبية وبعد ثلاثة أشهر يتم إزاحته عن القدس وهذا يشكل خطرا على الهوية. وأقول إن هناك عملية أسرلة بمفهوم الارتباط الكامل ما بين القدس الشرقية والقدس الغربية، عبر العمل داخل القدس الغربية وربط البنية التحتية للقدس الغربية بالشرقية، وتبعيات هذه خطيرة كونها تربط المقدسي بالنظام الصحي الإسرائيلي، والضمان الاجتماعي، بما يستحيل معه مستقبلا إحداث عملية التفكك بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

* هل "إسرائيل" تمضي قدما في هذا المخطط الخطير؟

- لا شك في ذلك "إسرائيل" ماضية بذلك بشكل كامل وجدي، هي لديها برنامج واضح وقد بدأت تنفيذه عبر تغيير المناهج في المدارس التي أخضعتها تحت سيطرتها، وعبر تغيير أسماء الشوارع والأحياء، ومازالت تعمل عليه. أيضا عبر إعطاء الجنسيات الإسرائيلية، وسحب الهويات. وأعتقد جازما أن كل هذه الأمور لها هدف استراتيجي واضح تماما وهو إلغاء قضية القدس وطي ملفها بشكل نهائي.

* في ظل هذا الواقع الخطير، هل ترى نقطة مفصلية أخطر على تاريخ القدس؟

- الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يخلع السكان المقدسيين من مدينهم ويحل مكانهم سكانا يهودا. يريد أن يخلع الأبنية العربية ويبدلها بأخرى يهودية. القضية ليست قضية أماكن دينية، كون الأماكن الدينية معروفة، ولكن عندما يهوّد السكان والحجر، ويدمر البشر، من سيدافع عن الأماكن الدينية؟ ولذلك أعتقد أن قضية القدس اليوم أصبحت في كثير من الأمور في خواتيمها. فما جرى للقدس في عام 2009 حينما أُعلنت عاصمة الثقافة العربية، أنه لم يقابل هذا الاعلان بعمل فعلي وواقعي على الأرض، فقط تباكوا على المدينة ولم يفعلوا شيئا، بينما الإسرائيليون أعلنوها عاصمة لكل اليهود في كل أنحاء العالم، وبدأوا في تنفيذ مخططهم في أكثر اللحظات الحرجة للعرب.
1
التعليقات (1)
charradheger
الإثنين، 18-05-2015 01:48 م
ana hazina ala al oumma al arabia