لا تزال أصداء إعلان رئيس
كوريا الجنوبية يون سوك
يول "الأحكام العرفية" في عموم البلاد متفاعلة، على الرغم من إعلانه إلغاءها لاحقا.
وكان الرئيس الكوري الجنوبي لجأ إلى هذا الفعل بعد أن اتهم المعارضة بالمشاركة في أنشطة مناهضة للدولة والعمل لصالح الجارة الخصم كوريا الشمالية.
وأعلن يول الأحكام العرفية بعد أن رفضت المعارضة وعلى رأسها الحزب الديمقراطي المتحد في البرلمان الموازنة، وجاءت هذه الأزمة السياسية والدستورية أيضا بعد بدء التحقيق مع زوجة الرئيس، "كيم كيون هي".
وتم التحقيق مع "هي" بعد اتهامها بقبول حقيبة "كريستيان ديور" بقيمة 2200 دولار كهدية، وهو ما يعتبر انتهاكا محتملا لقانون مكافحة الفساد في كوريا الجنوبية.
اظهار أخبار متعلقة
ولمعرفة ما إذا كان هناك أسباب أخرى لهذه الأزمة وما تأثيرها على الديمقراطية في كوريا الجنوبية ومستقبل الرئيس، التقت "عربي21" بالكاتب المختص في شؤون الصين وشرق آسيا، سامر خير أحمد، الذي "أرجع أسباب الأزمة إلى سلوكيات شخصية للرئيس الكوري الجنوبي، وليس لأسباب سياسية بحتة".
وقال خير لـ"عربي21"، إن "الأزمة شخصية أكثر مما تتصل بدوافع سياسية، علما أن يول اتبع منذ تسلمه مقاليد الحكم خطابا متشددا تجاه الجارة كوريا الشمالية، كما أنه دخل في شراكة مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ضد الصين".
ورجح خير احتمالية عزل الرئيس وإقصائه خلال الأيام المقبلة، مؤكدا أن الجيش في كوريا الجنوبية اتبع الدستور وعاد إلى ثكناته عقب إلغاء الأحكام العرفية، ولم يتدخل في السياسة.
وتاليا نص الحوار كاملا:
◼ ما سبب الأزمة الحالية في كوريا الجنوبية؟ وما مصير الديمقراطية هناك؟
يمكن القول إن الأزمة في كوريا الجنوبية تقف وراءها سلوكيات شخصية للرئيس يون سوك يول، أكثر مما تتصل بدوافع سياسية قوامها الخلاف السياسي مع المعارضة، عقب رفض البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة المصادقة على مشروع الموازنة، أو حتى بسبب عمل المعارضة مع كوريا الشمالية على حد ادعاء الرئيس، الذي قال إن المعارضة تتعاطف معها عند إعلانه فرض الأحكام العرفية أول الأمر.
وأما ما قيل حول أن التحقيق مع زوجة الرئيس هي من أهم أسباب الأزمة الحالية، فلا أعتقد أنها هي المسألة الحاسمة، لكن هذه الفكرة ترددها المعارضة.
والراجح أن السبب هو التوتر المستمر بين الرئيس والبرلمان، الذي أفضى لتعطيل المشروعات الاقتصادية للرئيس (وهي ليست بالضرورة مشاريع ناجحة ومفيدة) وعمق الأزمة الاقتصادية للبلاد وأظهر الرئيس بمظهر الفاشل في إدارة البلاد ومن ثم انعكس على شكل تراجع كبير في شعبيته.
وأقصد هنا أن الرئيس تصرف برعونة وليس بشخصية السياسي المحنك، وإلا لكان أدار علاقته مع المعارضة بهدوء، ولكنه اختار الصدام مع المعارضة، وكذلك الصدام مع كوريا الشمالية.
اظهار أخبار متعلقة
ويعود سبب هذه التصرفات إلى أن الرئيس يون جاء إلى المنصب من دون خبرة سياسية، حيث عمل سابقاً كمدعِ عام، أيضا هو ليس ابن الحزب الحاكم الذي ترشح عنه للرئاسة، بل تم ترشيحه بسبب شعبيته الناتجة عن تحقيقاته في ملفات الفساد.
لذلك السلوكيات الشخصية هي الرعونة السياسية وانعدام الحنكة والتسرع، كما ظهر في إعلان الأحكام العرفية من دون تمكنه من تقدير أنه سيضطر للتراجع عنها سريعاً وسيثير أزمة سياسية في البلاد.
وما يجدر أخذه بعين الاعتبار أن الرئيس الحالي منذ توليه منصبه قاد بلاده نحو خطاب أكثر تشدداً وعدائية تجاه كوريا الشمالية، وأقل دبلوماسية بالطبع، فضلاً عن انخراطه في مشروع إدارة الرئيس جو بايدن لمواجهة الصين ضمن الاستراتيجية الأمريكية تجاه بكين "الردع المتكامل"، عوضاً عن اتباع سياسة متوازنة تجاه الجار الصيني.
بمعنى ظل الرئيس يون يمارس مهام منصبه بتطرف وربما بتهور، وفي هذا الإطار يندرج إعلانه الأحكام العرفية ثم تراجعه عنها خلال ساعات، من دون تنسيق مع الحزب الذي يمثله في السلطة (حزب سلطة الشعب)، بدليل رفض قيادات وممثلي حزبه ما قام به مباشرة بعد إعلانه الأحكام العرفية.
ويؤشر هذا التوافق بين الحزبين الرئيسيين "سلطة الشعب والديمقراطي المتحد" في البلاد على رفض الأحكام العرفية، والدفع بإلغائها من خلال تصويت البرلمان ضدها، على أن الديمقراطية في كوريا الجنوبية لن تكون مهددة بسبب ما جرى، وكل ما في الأمر أن البلاد ستبحث عما قريب عن رئيس متوازن يقودها في منطقة مشتعلة ومضطربة.
◼ لكن على الرغم من تراجعه سريعا عن الأحكام العرفية، ما هو مستقبل الرئيس السياسي؟
أغلب الظن أن مساعي عزل الرئيس التي يقودها الحزب الديمقراطي (المعارض) الذي يسيطر على البرلمان ستفلح في إقصائه من موقعه خلال الأيام القليلة المقبلة، وهذا سيُفضي -بعد مرحلة انتقالية يتولى فيها رئيس الوزراء منصب الرئيس مؤقتاً- إلى إجراء انتخابات رئاسية جديدة.
وربما سيكون من الصعب على الحزب الحاكم أن يعود من خلال هذه الانتخابات إلى سدة الرئاسة، إلا إذا تمكن من التحلل تماماً من الإجراء الذي قام به الرئيس يون بفرضه الأحكام العرفية، والتي قوبلت برفض شعبي واسع في البلاد، وتقديم شخصية سياسية أكثر توزاناً وقبولاً في الانتخابات.
وهذا يعني أن الرئيس الحالي بات بلا مستقبل سياسي، وربما بات مستقبله الشخصي على المحك أيضاً إذا ما تم المضي في محاكمته -بعد عزله- بتهم تتعلق بعدم مراعاته مصالح الدولة.
◼ ما تأثير هذه الأزمة على الصراع مع كوريا الشمالية، خاصة بعد اتهام الرئيس للمعارضة بالتعامل معها؟
أعتقد أن خروج الرئيس يون من السلطة سيفتح المجال لخفض التوتر مع كوريا الشمالية، والعودة إلى السياسة القديمة الساعية للتهدئة والحوار بين البلدين منعاً للصدام، خصوصاً مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو الذي كان قطع الحدود الكورية نحو كوريا الشمالية في عام 2019، والتقى رئيسها كيم جونغ أون ثلاث مرات خلال فترة رئاسته الأولى، بل إنه خلال حملته الانتخابية صرح بأن رئيس كوريا الشمالية ربما "يفتقده"!
اظهار أخبار متعلقة
ورغم أن ظروف كوريا الشمالية تغيرت بعد تقاربها العسكري مع روسيا خلال السنوات الأخيرة، إلا أن المسرح يبدو مهيأ نتيجة عودة ترامب وخروج يون من السلطة في سيول، إلى الحوار معها مجدداً ومحاولة إيجاد حلول بديلة لسباق التسلح الدائر في شبه الجزيرة الكورية وفي شرق آسيا عموماً.
◼ أخيرا، لاحظنا أن الجيش استجاب سريعا لقرار فرض الأحكام العرفية وإلغائها لاحقا، ما يثير التساؤل عن دوره والمؤسسة في الأزمة السياسية الحالية؟
من الواضح أن الجيش في كوريا الجنوبية التزم بالدستور حين عاد إلى مواقعه عقب إلغاء الأحكام العرفية، وهذا يؤشر على أن الحياة السياسية في البلاد ليست مهددة، ولا خطر من عودة الجيش إلى الإمساك بالسلطة كما كان الحال قبل عام 1980.
بل إن وزير الدفاع الذي شارك الرئيس يون قرار فرض الأحكام العرفية، قد يواجه هو الآخر إمكانية عزله من منصبه، ما يؤكد أن الجيش بعيد عن محاولة السيطرة على السلطة.
وينطبق الحال ذاته على المؤسسة الأمنية، حيث يواجه وزير الداخلية هو الآخر احتمالية عزله، ما يعني عدم انخراط المؤسسة الأمنية في عملية فرض الأحكام العرفية.
ويؤشر ما يجري في كوريا الجنوبية على أن الإجراء كله اتخذ ضمن حلقة ضيقة ممثلة بالرئيس والمقربين منه، وليس ناتجاً عن مساعٍ لتغيير سياسي جذري في البلاد تقوده المؤسستان العسكرية والأمنية، ولا حتى الأحزاب السياسية المؤثرة بما فيها حزب الرئيس نفسه.