كتاب عربي 21

عباس الحيطة منا وفينا

جعفر عباس
1300x600
1300x600
عبد السلام البسيوني داعية إسلامي مصري مقيم في قطر مثلي منذ معركة القادسية، وله مؤلفات عديدة، لا علاقة مباشرة لمعظمها بشؤون الدعوة (على الأقل ليس بالأسلوب التقريري)، وله اهتمام بالأدب والفن (سألته مرة عن رأيه في الغناء والموسيقى فقال: مش حرام، بس ما تقولش لحد إني قلت كدا!! وقبل أيام كنت أستمع إلى شيخ وقور يقول عكس ذلك، مضيفا أن أحد من يحللون الغناء قال: لو كان الغناء حراما، لما أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم اسم أم كلثوم على ابنته). 
                 
أصدر البسيوني مؤخرا كتابا بعنوان "رجل اسمه  نرجس" تناول فيه صنوفا من  الرجال، من بينهم الصرصور الذي يعشق كل ما هو قذر، والمشروم الطفيلي، والحمار إلخ، ثم جاء الدور على "عباس"، الذي سجل الشاعر الفذ أحمد مطر جانبا من سيرته النضالية العطرة، "بشكل يدعو للتقيؤ، هذا إذا لم يدفع للانتحار هروبًا من (خلقة) هذا العباس (اللي ما عندهوش ريحة الدم)، والذي اخترعه ببراعة قلم أحمد مطر الذي يقطر وجعًا ساخرًا، وأهم ملامح شخصيته أنه (جدار) مسلوب الأحاسيس:  تلطمه على خده فلا ينتبه! تصفعه على قفاه فلا يهتم!  تلعن (اللي خلفوه) فلا يبالي!  تجول بيدك - أمام عينيه - تحت ثياب زوجته، فلا يهتز!". 
     
ويواصل البسيوني تشريح عباس: وهو جميل الشكل، فارع القامة، معجب كثيرًا بنفسه، يرى أنه مكحل بالشطة، وأنه خطير، وأنه كبير، وكثيرًا ما يكرم اللصوص إذا دخلوا بيته (لينفِّضوه) على أساس أن إكرام الضيف واجب، وأن مكارم الأخلاق العباسية تقتضي الترحيب بالسيد الضيف، حتى لو قال بنفسه إنه يدخل سارقًا!  فاسبح معي في فضاء أحمد مطر وانظروا شيئًا من أخلاق أخينا عباس: عبر اللصُّ إليه وحل ببيتهْ/ أصبح ضيفَه / قدّم عباسُ له القهوة.. ومضى يصقل سيفه../ صرخت زوجته: عباس: أبناؤك قتلى../ عباس: ضيفك راودني../ عباس: قم أنقذني يا عباس.. / عباسُ وراء المتراس.. منتبهٌ لم يسمع شيئًا/ زوجته تغتاب الناس. 
                 

"ويبدو أنه في لحظة صحو نادرة الحدوث أحس صاحبنا العتلّ بشيء من وخز الضمير، المستتر وراء تلال من الهمود، والغباء، وانطفاء الرجولة، وموت المروءة، فحركته شكّة الضمير هذه ليستخدم تكتيكًا جديدًا، يناور به "أصدقاءه"، بعد أن تأمل ما يدور حوله، ووجد أنه لا بد من موقف: اللصُّ دق بابهُ/ عباس لم يفتح لهُ / اللص أبدى ضجرَهْ/ عباسُ لم يصغِ لهُ / اللص هدّ بابَهُ/ وعابَهُ/ واقتحم الباب بغير (إذنه) وانتهرهْ: يا ثورُ: أين البقرةْ؟ / عباس دس كفـه في المخصرة/ واستل منها خنجره / وصاح في شجاعةٍ (معتبرة): في الغرفـة المجاورة!! اللص خط حوله دائرةْ/ وأنذرهْ:/ إياك أن تجتاز هذي الدائرة". 
               
"احترم أخونا عباس كلام اللص، لأنه أعطاه كلمة رجال، رغم أنه: علا خوار البقرة / خف خوارُ البقرة/ خار خوار البقرة / واللص قام بعدما أشبع منها وطرَهْ / ثم مضى وصوتُ عباسٍ يدوي خلفهُ: فلتسقط المؤامرة/ فلتسقط المؤامرة/ فلتسقط المؤامرة / ... ولما تطوع أحد الساخرين وسأل أخانا الديك عباسًا: - والخنجر: ما حاجتُك به؟ - للمعضلات القاهرة./ - وغارةُ اللص؟! ألم ترَه؟ - لقد قطعتُ دابرَه/ جعلت منه مسخرة / انظر: لقد غافلتُه، واجتزت خط الدائرة!

ما قصرت والله، عشت يا أخ عباس، عشت رمزًا للنخوة والرجولة وبعد النظر! عشت يا أبا المراجل والشوارب".

"ولقد ظللت أرصد بطولات عباس هذا حتى (انفجرت مرارتي) من كثرة مفاجآته، وقد حيرني عباس حيرة شديدة، رغم أني أعرف أن له في تاريخي أجدادًا (واطيـين)  ربما تنزعه عروقهم، من أول نشامى طسم وجديس العرب الذين فرض عليهم خصومهم (حق الليلة الأولى) لأي عروس، يفترعونها ويهتكون عرضها قبل أن يدخل بها زوجها،  حتى قالت إحداهن بعد أن انتُهكت: لا أحد أذل من جديس / أهكذا يفعل بالعروس؟! مرورًا بالأهبل النعمان بن المنذر، عبد الفرس، الذي كان يعوض كبرياءه السليب بيوم السعد ويوم النحس، والخائن العربي الأكبر أبو رغال مرشد الفيل الذي جاء لهدم الكعبة، والأحمق جبلة بن الأيهم، الذي استكبر على الإسلام فذل عند الروم، مرورًا بابن العلقمي، خادم التتر، فالمعلم يعقوب خادم نابليون والفرنسيس، وصولاً إلى كثير من اليعاقبة والعلاقمة الذين يجدون تكريمًا لم يلقه أجدادهم السابقون!!
التعليقات (0)