على أميركا أن تعرف أيضاً، تابعت كلامي للمسؤول الأميركي السابق نفسه الذي رافق عملية السلام والشرق الأوسط عموماً من موقعه الرسمي ولا يزال يرافقهما من موقعه باحثاً جدِّياً، أن إيران مستمرة ربما في سياستها نفسها. فهي تُحمِّل أميركا مسؤولية انهيار الجيش العراقي أمام هجوم "داعش" في وسط العراق السنّي لأنها أسسته وتعتبر ذلك فشلاً لها، علماً أن هذا غير صحيح. فأميركا درّبت فيه وحدات نخبة قليلة. أما إيران فسيطرت عليه بواسطة الأكثرية الشيعية حليفتها واستعملته للسيطرة على العراق.
كما أسست الميليشيات الشيعية التي صارت رديفة له. لذلك كله تتحمّل إيران مسؤولية انهيار الجيش العراقي وسقوط الموصل ومناطق سنّية فيها أقليات عراقية وليس أميركا. لكنها طبعاً لم تعترف بذلك. وسكتت أميركا على ذلك إمّا عمداً وإمّا جهلاً. ما رأيك هل تعمّدت السكوت أو كانت تصدِّق أن جيش العراق جيشُها؟ قال: "أخبرني عن داعش". قلتُ: لن أدخل في تفاصيل تتعلَّق بمن خلَق هذا التنظيم وبمن موّله ودرّب عناصره وسهّل حركتهم بين تركيا وسوريا والعراق وخارجها.
لكنني أسأل: من استفاد منه؟ استفادت الدول السنّية الخائفة من إيران والمعتبرة إياها خطراً جدِّياً عليها وفي مقدمها المملكة العربية السعودية. إذ تحرّر سنّة العراق من هيمنة طهران وحلفائها المحليين وتقلّص الحجم الجغرافي لسيطرتها فيه. واستفادت أميركا إذ عزَّز ذلك تحوُّل إيران إلى موقع الدفاع وخصوصاً بعد خسارة جزء كبير من ورقة سوريا وكل ورقة فلسطين ونصف ورقة لبنان. ضربُ "داعش" في العراق هو احتواء له ومنعٌ من تخطّي الخطوط الحمر ومنها إربيل (كردستان) وبغداد. وهو يُوظَّف لتحقيق أهداف سياسية.
ماذا عند موظف أميركي مهم متقاعد الآن تابَع المنطقة من قرب ولا يزال؟ وماذا عند خبير أميركي تابع ومن قرب أيضاً قضايا المنطقة ومواقف أميركا منها وخصوصاً الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والخليج؟
يعتقد الأول "أن "الطالبان" سيحكمون أفغانستان بعد سنتين أو ثلاث سنوات، أي بعد انسحاب أميركا عسكرياً منها". ويعتقد أيضاً "أن باكستان سيحكمها الإسلاميون المتشدِّدون. وقدراتها النووية ستصبح تحت سيطرتهم. ذلك أخاف إيران فسرَّعت مشروعها النووي لمواجهة الخطر الباكستاني السنّي وليس لمواجهة إسرائيل مباشرة. طبعاً عندها أيضاً مشروعها الإقليمي الذي يخدمه مشروعها النووي، وذلك أخاف أيضاً أميركا فبدأت تتّجه نحو الهند لمواجهة الخطر الباكستاني المحتمل ومعه الصين. إيران وأميركا في حاجة إلى الاتفاق على النووي وعلى الإقليمي معاً".
ماذا عن الرئيس الأسد وسوريا؟ سألتُ. أجاب: "تركيا لن تترك بشار يربح. ففتحت الباب لكل الإسلاميين من العرب السنّة ومن السعوديين والقطريين. وفي العراق تريد تركيا استمرار "داعش" كي لا تقترب إيران من حدودها، والسعودية تريد ذلك للسبب نفسه. وفي رأيي الإيرانيون يتخلّون عن الأسد في حال تمّ الاتفاق على البديل منه. الجمهوريون يعيدون إذكاء العنصرية بين البيض والسود في أميركا. ويريدون مثل العالم الثالث المتخلِّف إسقاط أوباما ولو تضرّرت بلادهم. وهو عنده أولويتان: حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والتفاهم مع إيران. ويبدو أن الوقت المتبقّي له في البيت الأبيض لا يسمح إلا بالعمل الجاد من أجل الثانية".
أما الثاني أي الخبير فيقول "إن مسؤولاً عسكرياً أميركياً اجتمع مع وليّ عهد الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد بعد انتشار أخبار عن الاتفاق مع إيران، فسمع منه انتقاداً لأميركا وسياستها معتبراً أن لا حلفاء لها وأصدقاء. وأنهى اللقاء في سرعة". ويقول أيضاً "إن الإماراتيين والسعوديين غضبوا عندما عرفوا بوساطة عُمان بين أميركا وإيران. وتساءل الأولون لماذا لسنا نحن الوسطاء؟ فأجابتهم عُمان: نحن على الحياد. علاقتنا جيدة مع أميركا وإيران. هناك إيرانيون ماتوا من أجلنا وهم مدفونون في ترابنا. فضلاً عن أننا وإيران لا نتجسَّس على بعضنا. والحال ليست كذلك بينكم وبين إيران". ويقول أخيراً: "التفاوض بين محمود عباس وباراك أوباما ضرورة. ولا حل من دون أميركا. يجب البقاء مع أميركا. الراحل ياسر عرفات وعباس "تكتيان" وليسا استراتيجيين".
ماذا عند مسؤول مهم سابق رافق عن كثب التحرُّكات واللقاءات الأميركية مع قادة الشرق الأوسط وزعمائه؟