كشف تحقيق نشرته صحيفة "إلباييس" الإسبانية اليوم الخميس أن
مشاريع البنك الدولي تسببت في تشريد نحو 3.4 مليون شخص اضطروا تحت الإكراه إلى مغادرة منازلهم والتخلي عن أراضيهم في الفترة ما بين 2004 و 2013، وقد حمل التحقيق عنوانا له "عندما يجلب التقدم البؤس".
معظم هؤلاء
المشردين بسبب مشاريع البنك الدولي ينحدرون من فيتنام (أزيد من مليون شخص) الصين (أزيد من مليون) الهند (388 ألف) إثيوبيا (95 ألف) كينيا ( 42 ) بانغلاديش (84 ألف)، وبلغ عدد هذه المشاريع 972 مشروعا تتوزع على مجالات الإدارة العمومية والنقل والماء والصحة والوقاية من الفيضانات والفلاحة والصيد والغابات والطاقة والمعادن وغيرها من المجالات.
ويرصد التحقيق حالة "غلاديس شيبكيموا" وهي سيدة كينية، من ضحايا عمليات التهجير تحكي قصتها لـ"إلباييس" وتقول إنها كانت تزرع البطاطس في حديقة منزلها عندما جاء بعض الرجال لحرق المنزل.
عندما أخبرتها حماتها بأن الحراس التابعين لدائرة الغابات في كينيا قادمون في الطريق، حملت ابنها ذو السنة الواحدة على ظهرها وركضت في اتجاه كوخها المسقوف بالقش، وأخذت عبوتين من الذرة والبطانيات والصحون واختبأت في الغابة. ومن مخبئها رأت الحراس الذين كانوا يرتدون زيا عسكريا أخضر وهم يحرقون منزلها، عندما غادروا خرجت من مخبئها ووقفت على ما تبقى من منزلها.
هذه الأم الشابة هي واحدة من آلاف الكينيين الذين طردوا من ديارهم منذ انطلاق برنامج الحفاظ على الغابة الذي يموله البنك الدولي في جبال "شيغانغاني" في غرب كينيا.
أعضاء المنظمة غير الحكومية "برنامج شعوب الغابات" ومقرها في المملكة المتحدة وتعمل على الدفاع عن حقوق سكان الغابات، تقول إن السلطات الحكومية قد استخدمت المشروع كوسيلة لدفع الشعوب الأصلية إلى مغادرة غابات أسلافهم، وهؤلاء ليسوا وحدهم، ففي العديد من البلدان النامية، يؤكد القرويون الفقراء وغيرهم من الفئات الهشة من السكان أن البنك الدولي جعلهم في حالة من البؤس.
وقد أدت مشاريع مثل بناء السدود ومحطات توليد الطاقة وبرامج الحماية، وبرامج أخرى ترعاها هذه المؤسسة الدولية إلى طرد الملايين من الناس من بيوتهم وأراضيهم أو تهديد مصادر رزقهم. في بعض الحالات، قامت الحكومات التي تتلقى الدعم من البنك الدولي باعتقال وضرب وقتل العديد من الناس لأنهم رفضوا مغادرة منازلهم، وفقا لشكاوى رسمية من المجتمعات المتضررة وضعتها لدى هذه المؤسسة الدولية.
ويشير التحقيق إلى أن البنك الدولي قد خرق مرارا قواعد حماية الناس الذين يعيشون في المناطق التي يعمل على تطوير المشاريع فيها، بما في ذلك الالتزام بإعادة توطينهم في ظروف مماثلة لحياتهم السابقة.
وقد اعترف البنك الدولي بأن هناك "عيوب" في حمايته للنازحين في بعض المشاريع التي قام بتمويلها، ويقول إنه يعمل على تحسين سياساتها وكيفية تطبيقها. ففي كينيا، ووفقا للجنة التفتيش الداخلي التابعة للبنك الدولي، فقد خرق البنك القواعد لأنه لم يفعل ما يكفي لحماية أقلية "السينغوير" في غابات غرب البلاد حيث بدأ تمويل مشروع إدارة الموارد الطبيعية في عام 2007 بدعم قدره 68.5 مليون دولار.
من جانبها، تعتقد حكومة كينيا أن هذه الأقلية تحتل بطريقة غير شرعية أراضي عمومية، وقد دمرت السلطات ما لا يقل عن ألف منزل منذ بدأ البنك تمويل مشروع الحفاظ على الغابات، وفقا لحسابات المتضررين والباحثين في "برنامج شعوب الغابات"، كما تم سجن العشرات من السكان الأصليين.
في إثيوبيا، تعرض الآلاف من شعب "الأنواك"، وهي مجموعة من السكان الأصليين أغلبهم مسيحيون من المناطق الريفية لحملة ترحيل واسعة، وقد مولت الحكومة الإثيوبية عمليات الإخلاء باستخدام جزء من المساعدة المالية التي حصلت عليها من البنك الدولي لتمويل مشاريع في الصحة والتعليم.
البنك الدولي ينفى باستمرار أن تكون أمواله تستخدم لتمويل عمليات الإخلاء الجماعي في غرب إثيوبيا. ورغم أن اللاجئين "الأنواك" وعدد من جمعيات حقوق الإنسان نشرت علنا اتهامها بأن أموال هذه المؤسسة استخدمت لتمويل بعض عمليات الإخلاء الوحشية، إلى أن البنك الدولي استمر في تخصيص مئات الملايين من الدولارات لتمويل نفس البرامج الصحية والتعليمية.
في فبراير / شباط عام 2014، سافر فريق من لجنة التفتيش تابعة للبنك الدولي إلى إثيوبيا لإجراء تحقيق ميداني في منطقة "غامبيلا"، حيث يعيش عشرات الآلاف من شعب "الأنواك"، عندما بدأ الباحثون باستكشاف القرى الجديدة التي بنيت من قبل الحكومة للاجتماع مع "الأنواك" وجدوا أن السلطات سبقتهم إلى المكان ومعهم تعليمات بمرافقة فريق التفتيش في كل تحركاتهم.
كما تم تخويف الناس حتى يقولوا الأشياء الإيجابية فقط.، لكن بعض القرويين تحدثوا في جلسات خاصة عن إطلاق النار والاعتقالات التعسفية والعنف الجنسي. وعندما أصدرت اللجنة تقريرها في فبراير/ شباط عام 2015، كانت أصوات أولئك الذين وصفوا التهديدات والعنف غائبة إلى حد كبير.