كشفت
وثائق أمنية عثر عليها الثوار بعد تحرير مدينة
إدلب، وحصلت عليها "عربي21" عن متابعة الفروع
الأمنية لأدق تفاصيل حياة السوريين، ومنها سجلات للمواظبين على صلاة الفجر في المسجد، وقضية خطيب مسجد تناول مسلسلا تلفزيونيا رآه مسيئا للإسلام.
وكان الثوار قد سيطروا على مدينة إدلب في الثامن والعشرين من شهر آذار/ مارس الماضي"، وبعد سيطرتهم على الفروع والمقرات الأمنية في المدينة، عثروا على الكثير من الوثائق الأمنية والمخابراتية، كشفت طبيعة متابعة النظام للمعارضة وقاداتها، بينها عمليات اغتيال خططها مع عملائه، وبعضها مرفقة بأسماء المتعاونين مع فروع
المخابرات والسلطات الأمنية.
كما تم العثور على سجلات أنشئت على وجه الخصوص لأسماء المصلين في المساجد، وبالتحديد "صلاة الصبح"، حيث عثر على جداول تضم معلومات شخصية كاملة عن الشخص المواظب على صلاة الفجر، ومكان الإقامة والتوجه السياسي، والثقافة، والعمل، وغيرها.
ومن بين الوثائق المهمة أيضا، وثيقة تشير إلى اهتمام شعبة المخابرات العسكرية في دمشق بتناول خطيب مسجد في إدلب بالنقد لأحد المسلسلات التلفزيونية، حيث طلب المسؤول في فرع فلسطين العميد حسن دياب من مدير المخابرات العسكرية في إدلب التحقيق في الأمر.
وحسب ما يتضح من الوثيقة التي حصلت عليها "عربي21"، فقد طلب العميد دياب مراقبة أئمة المساجد والخطباء حول ردود الفعل في الوسط الديني والشعبي بإدلب، بعد بث حلقة تسيء للإسلام من مسلسل "بقعة ضوء" في رمضان عام 2003 وقدمتها "شاكيرا القبيسي".
وتبين الرسالة من فرع إدلب أنه لم يتطرق أحد من خطباء المساجد والأئمة ومدرسي الدين الإسلامي للحدث أو نقد الحلقة في المسلسل، وذلك بعد مراقبة الدروس الدينية التي تلقى في شهر رمضان، وخطب يوم الجمعة في يومي 8 شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2003، وفي 14 من الشهر ذاته.
وتقول الرسالة إن خطيبا وحيدا، وهو الشيخ أحمد علوان بن مصطفى، خطيب جامع أويس القرني في معرة النعمان، تحدث في خطبته الجمعة عن فضل العشر الأخير من شهر رمضان، وتطرّق فيها إلى أن "مسلسل بقعة ضوء يسيء للإسلام والمسلمين، وقال الشيخ إن لا أحد يردع مثل هذه المسلسلات"، بحسب ما جاء في وثيقة فرع المخابرات العسكرية في إدلب، التي بيّنت أن الشيخ علوان قد استدعي من قبل الفرع عام 1999م لعدم دعائه للرئيس الراحل حافظ الأسد في نهاية خطبة الجمعة بتاريخ 6 شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام ذاته.
وأشارت الوثيقة إلى السيرة الذاتية الموجودة لدى الفرع عن الشيخ علوان، وقالت إنه حاصل على إجازة في الشريعة من جامعة دمشق، ومدرس ديني في جامع الكبير بالمعرة، وهو إمام وخطيب جامع أويس القرني في المنطقة ذاتها. ووصفته بأنه "حيادي متدين"، بالإضافة إلى أنه "غير محموم"، وأن له أقارب من جماعة الإخوان المسليمن لكنهم من درجة بعيدة وغير متأثر بهم.
وتقول الوثيقة أيضا: "بالتدقيق من قبلنا مع الشيخ المذكور أحمد علوان، لمعرفة الأسباب والدوافع التي دعته لإثارة هذا الموضوع على المنبر، أفاد بما يلي: لم يشاهد تلك الحلقة، وإنما اتصل ببعض المواطنين ممن شاهدوها وقالوا له بأنها مسيئة للإسلام، ومن هذا المنطلق تحدث عن الموضوع في خطبة الجمعة المشار إليها وقال: إن الفكرة من المسلسل قد وصلت خطأ إلى بعض المواطنين مما أثار حفيظتهم وطنوا ذلك طعناً بالدين الإسلامي، وأن المسلسل لم يوفق بمعالجة الإساءة إلى الدين الإسلامي من بعض الأشخاص، ومن هذا المنطلق أراد أن يوضح الفكرة".
وأضافت الرسالة: "وقال علوان إن هذا الموضوع ما كان ينبغي أن يطرح على المشاهدين بهذا الشكل، ولكن يجب أن يعطى حالة من البيان والنضج لكي لا يساء فهمه من البعض، لأن عدم الفهم يسيء للإسلام والمسلمين، كما يجب أن يكون هناك رادع ورقابة على تلك المسلسلات قبل عرضها، حتى لا يساء فهمها وتكون النتيجة سلبية".
وقد نشر الشيخ علوان على صفحته الرسمية على حساب الفيس بوك عددا من الوثائق المسربة، من بينها وثيقة فيها اسمه ضمن الأئمة الذين خرجوا عن مضمون خطبة الجمعة مرتين.
وتحدث الشيخ علون، لـ"عربي21"، عن طريقة التعامل معه عند استدعائه من فرع فلسطين (235) بسبب خروجه عن مضمون الخطبة، وقال إنها كانت طريقة استفزازية، حيث هددوه بقطع رزقه وتوقيفه. وأضاف: "لكن تعاملهم معي تغيّر كثيرا أثناء حرب العراق، فكانوا يتجنبون استفزاز الخطباء، فكان عميد الفرع يستقبلني من باب مكتبه ويودعني حتى درج الفرع، لأن الاحتقان كان موجوداً، وكان يحضر مسجدي بضعة ألوف وقتها".
وحول المقصود بالنسبة للفرع بالخروج عن مضمون الخطبة، قال الشيخ علوان: "الخروج عن مضمون الخطبة هو الحديث عن ضرورة الحجاب، أو الحديث عن الأوضاع الاقتصادية، أو سياسة الإعلام، أو الجامعة العربية، ومواقف الحكام العرب، وأمريكا.
وتابع: "حقيقة لم يصرّحوا بمنع الحديث عن الحجاب، ولكن كانوا يلمحون بذلك. وعندما تم استدعائي قال لي المحقق في فرع فلسطين، ويدعى إياد: إنت شو دخلك لو تحجبت البنت أو ما تحجبت؟ إنت شغلتك تلتزم بدرسك وبس". وأشار إلى أن المحقق إياد كان من منطقة "جوبة برغال" القريبة من القرداحة في ريف اللاذقية.
وقال علوان إنهم كانوا يجبرونه على الدعاء للرئيس في نهاية كل خطبة، وعندما نسي الدعاء له في إحدى الخطب عام 1999 م، أبلغوه في مفرزة المعرة أنه يجب عليه أن يراجع فرع إدلب، ولما ذهب إلى الفرع، قال: انتظرت على الباب لمدة ثلاث ساعات تقريباً ثم أدخلوني للمحقق، وألحّ مرارا ليعرف ما سبب تعمدي لترك الدعاء كما وصف، وطلب مني الدعاء للرئيس، وأكد علي أن أدعو له باسمه الصريح، وقال لي بالحرف: "هدول جماعتنا (المخبرين) مابيفهموا إلا بالعريض، يعني اللهم وفق الرئيس (حافظ) الأسد".
وتحدث أن خطبه في المسجد عرّضته للاعتقال مرتين في عامي 2007 و2008، الأولى كانت قرابة الأربعة أشهر، والمرة الثانية عشرة أشهر. وقال إنه تعرّض للتعذيب الشديد في الاعتقال الثاني، ما سبب تقرحات وجروحا ونزيف دماء من ظهره، ولم يتم تقديم العلاج له، حيث بقي لأكثر من شهرين حتى اندملت الجراح وحدها. كما قلع اثنان من أظافر قدمه، وغيرها من أنواع التعذيب والكلام المهين.
وحاول المحققون أن يُلصقوا به تهمة المشاركة في تفجيرات منطقة القزاز في العاصمة دمشق التي وقعت في أيلول/ سبتمبر 2008.
واللافت للانتباه أن فرع المخابرات كان يخصص سجلا لخطبه في المسجد، موثقة بالتاريخ وأحيانا بتسجيلات صوتية. وظهر في إحدى الوثائق أن عنصر المخابرات الذي كان مكلّفا بحضور خطبه هو المساعد "نزيه العلي".