نشرت صحيفة لبراسيون الفرنسية مقالا على خلفية الحملة العسكرية التي تقودها
السعودية في اليمن، ورأت أن الشرق الأوسط بصدد الدخول في حرب جديدة ستكون ضارية وطويلة جدا.
وقالت الصحيفة إن هذا الصراع الذي بدأت شرارته الأولى مع سقوط صدام حسين، واندلع بشكل مباشر خلال الأيام الماضية، سيطغى على كل القضايا الأخرى، مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والمساعي الكردية لتأسيس دولة قومية، والتحالف الدولي الذي يواجه تنظيم الدولة في سوريا، لأن هذه الحرب تضع وجها لوجه
السنة والشيعة الذين يمثلون أكبر كتلتين في العالم الإسلامي.
وأضافت الصحيفة أن اليمن كان مسرح المواجهة المباشرة بين الطرفين، لأن السنة لم يعد بإمكانهم السكوت على جرأة خصومهم. فخلال ثلاثة عقود لم تتوقف
إيران عن توسيع نفوذها على الأرض، حيث أصبحت رقما صعبا في المعادلة اللبنانية بفضل قوة حزب الله وحضوره العسكري والسياسي، وتحالفت مع النظام السوري بقيادة بشار الاسد الذي ينحدر من الطائفة العلوية المتفرعة عن المذهب الشيعي، وهي اليوم تواصل دعمه في الحرب التي يخوضها ضد الأغلبية السورية السنية.
وأضافت الصحيفة أن إيران صنعت محورا شيعيا في المنطقة، حتى من قبل أن تغزو الولايات المتحدة العراق وتقدمه لها على طبق من ذهب من خلال وضع السلطة في يد الطائفة الشيعية التي كانت مهمشة في عهد صدام حسين. واليوم تعزز هذا المحور، وأصبحت سلطة إيران تتجاوز حدودها الجغرافية بكثير، مع نجاح
الحوثيين الممولين والمسلحين من قبل طهران في الاستيلاء على بلد محاذ للمملكة العربية السعودية.
وقالت الصحيفة إن الحوثيين واصلوا مطاردة الرئيس السني بعد أن أجبروه على الخروج من العاصمة، وهو ما دفع بالسعودية لاستنفار الدول السنية الأخرى لصد هذه الذراع الإيرانية عن طريق عملية عاصفة الحزم. وهو ما يعني أن اليمن مقدّر له أن يكون مسرح هذه الحرب بين السنة والدولة الشيعية الوحيدة (حسب الصحيفة) في العالم الإسلامي، بالتزامن مع اقتراب إيران من التوصل لاتفاق نووي مع القوى الكبرى.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المرحلة من المفاوضات النووية ستتلوها مراحل أخرى، وأن التوصل لاتفاق نهائي في هذه المسألة ليس أمرا مؤكدا، ولكن مجرد التفكير في ما قد ينتج عن هكذا اتفاق يعد كابوسا بالنسبة للدول السنية، لأنه سيؤدي لرفع العقوبات الاقتصادية التي أنهكت إيران، وعندها لن تكون إيران فقط عضوا في النادي النووي العالمي من خلال التقنيات التي اكتسبتها وقد تمكنها من تصنيع القنبلة النووية خلال أشهر، بل ستتمكن أيضا من استغلال مدخراتها الضخمة من النفط والغاز لتصبح في مستوى ثراء دول نفطية أخرى، على غرار المملكة السعودية.
وأضافت الصحيفة أن هذا السيناريو قد يقلب كل التوازنات ويغير معادلة القوى في الشرق الأوسط لصالح
الشيعة، على الرغم من التفوق الديمغرافي لأبناء الطائفة السنية. فرغم أن العراق هو البلد الوحيد الذي تعيش فيه أغلبية شيعية بالإضافة لوجود أقليات شيعية في بقية الدول السنية، فإن المحور الشيعي يعدّ القوة الصاعدة في المنطقة وذلك لثلاثة أسباب:
أولها، حسب الصحيفة، هو أن إيران، زعيمة هذا المحور، تتمتع بحضارة عريقة وتقاليد سياسية قديمة وقوية تؤهلها لتكون متفوقة في الشرق الأوسط، على غرار دول أخرى مثل تركيا، كما أنها تمتلك جيشا قويا ومجتمعا عصريا، حيث تحتل النساء مراكز متقدمة في الدولة، ولا يعوقهن الحجاب عن الانخراط في الحياة العامة.
والسبب الثاني هو الصعود الكبير للشيعة، وتفكيرهم الدائم في الثأر التاريخي الذي يريدون الأخذ به من السنة، بدعوى أنهم لطالما ناصبوهم العداء وتعسفوا عليهم ووضعوهم في أسفل السلم الاجتماعي.
والسبب الثالث الذي يجعل من الشيعة قوة صاعدة في المنطقة هو أن المجتمعات السنية تعاني من التآكل والانقسام بين الحركات المتطرفة، مثل تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، وحركات الإسلام السياسي، وأنظمة ملكية وأخرى عسكرية تخشى وترفض الحديث حول الإصلاح والتغيير.
وذكرت الصحيفة أنه بعد ستة أيام من القصف في اليمن تقدمت المملكة السعودية يوم الاثنين بمقترح لاحتضان محادثات بين الحوثيين والرئيس عبد ربه هادي منصور الموجود في المملكة منذ أيام، لأن السعودية تريد تجنب تطور العمليات من القصف الجوي إلى التدخل العسكري البري.
ولكن قالت الصحيفة أنه رغم هذا التفكير في احتواء الأزمة، فإنه من الثابت أن هذه المواجهة المباشرة بين السنة والشيعة ستلقي بظلالها على بقية الصراعات الموجودة في الشرق الأوسط.
وحول انعكاسات هذا الصراع على بقية القضايا، لاحظت الصحيفة أن إسرائيل تحاول الاستفادة من هذا العداوة المشتركة بينها وبين السنة ضد إيران، وتعمل على تطوير علاقات حسن جوار مع الدول العربية، لدرجة أن بنيامين نتنياهو أصبح يتصرف بغطرسة وجرأة أمام الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن بات مطمئنا حول أمن إسرائيل في المنطقة.
أما في سوريا والعراق، فإن السنة مترددون حول دعم عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، لأن ذلك سيفسح المجال لإيران والميليشيات الشيعية لحصد الثمار والسيطرة على مزيد من الأرض.
وفيما يخص الأكراد، قالت الصحيفة إنهم بإمكانهم الاستفادة من انهيار الدول التي ينتشرون فيها، وخاصة في العراق وسوريا، لتحقيق حلمهم بتأسيس دولة كردية، أما الدول الغربية فإن مواقفها غير واضحة، ولم تعلن عن دعهما الكامل لأي طرف.