يسود غضب في أوساط قضاة مصر ومحاميها، لسببين مختلفين، أولهما بالنسبة للقضاة في تأخر إجراء انتخابات ناديهم دون وجود أسباب مقبولة، فيما يصب في استمرار رئيس ناديهم الحالي أحمد الزند في منصبه دون سند قانوني، ويتمثل سبب الغضب بالنسبة للمحامين في إطلاق سراح الضابطين المتهمين بتعذيب زميلهم المحامي كريم حمدي، في قسم المطرية حتى الموت.
غضب القضاة
سيطرت حالة من الغضب على شباب القضاة وأعضاء النيابة العامة، على خلفية عدم إعلان مجلس إدارة نادى القضاة برئاسة المستشار أحمد الزند، موعد إجراءات انتخابات التجديد الكلي لمجلس الإدارة، على الرغم من انتهاء مدته.
وأوضح قضاة أن مدة المجلس الحالي منتهية منذ 24 آذار/ مارس الجاري، وهو ما دفعهم إلى إقامة دعاوى قضائية أمام مجلس الدولة لبطلان المجلس الحالي، وإلزامه بإجراء الانتخابات، فضلا عن دعاوى أخرى أقامها قضاة "تيار الاستقلال"، يطالبون فيها بإلزام الزند بعدم الترشح، لأن لائحة النادي تقضي بأنه من حق رئيس مجلس إدارة النادي الترشح لمدتين فقط، وهو ما قضاه الزند حتى الآن.
ودعا عدد من شباب القضاة إلى عقد جمعية عمومية طارئة لإجراء الانتخابات، وكشف حقيقة وملابسات التأجيل، بالإضافة إلى بحث الأزمات التي تواجه القضاة حاليا، وفي مقدمتها أزمة التعاقدات مع مشاريع الإسكان لأعضاء النادي.
وفي المقابل، وجه المستشار أحمد الزند رسالة إلى القضاة، أكد فيها أنه لا توجد نية مطلقا لدى مجلس الإدارة لتجاوز الشرعية، ومخالفة لائحة النظام الأساسي للنادي بشأن الانتخابات، وأن النادي سيعلن في القريب العاجل جدول المواعيد المنظمة لإجراءات العملية الانتخابية، ليقطع الطريق أمام مثيري الفتن ومروجي الشائعات، وإجهاضا لمساعيهم في شق الصف، وإحداث فتنة بين صفوف القضاة، وفق وصفه.
لكن رئيس نادي قضاة المحلة، المستشار محمد الجندي، صرح أن رؤساء أندية قضاة الأقاليم كانوا بصدد عقد اجتماع موسع الأسبوع الماضي لبحث كل المشكلات التي تواجه القضاة، وعلى رأسها أزمة تأجيل انتخابات نادي القضاة، إلا أنه تم إرجاء الاجتماع إلى هذا الأسبوع، حتى يتمكن أكبر عدد من رؤساء الأندية من الحضور، مضيفا أن القضاة سيتداولون أمرهم في الأزمة قبل اتخاذ قرار نهائي.
غضب المحامين يتصاعد
على مستوى غضب المحامين، رفضت محكمة جنايات القاهرة، الاثنين، استئناف النيابة العامة على قرار إخلاء سبيل ضابطي الأمن الوطني (أمن الدولة) المتهمين بتعذيب محام حتى الموت داخل قسم شرطة المطرية، بكفالة عشرة آلاف جنيه. وأيدت قرار غرفة المشورة الصادر السبت بإخلاء سبيلهم.
وأعرب نقيب محامين شمال القاهرة المحامي، محمد عثمان، عن غضبه من القرار.
وقال عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الاثنين: "إننا مؤمنون بعدالة قضيتنا، ومستمرون في تعقب الجناة المنتظر إحالتهم خلال أيام لمحكمة الجنايات".
تلفيق القضايا للمحامين
وبحسب مراقبين، يظهر أن هناك سببا آخر لغضب المحامين، ربما يكون هو الأهم، هو تلفيق القضايا للعديد منهم، حتى تحول بعضهم من محامين عن آخرين في بعض القضايا إلى متهمين يبحثون عمن يدافع عنهم.
وانتقد المحامي والحقوقي نجاد البرعي ذلك في مقاله الاثنين، في جريدة الشروق، تحت عنوان: "أسئلة معلّقة". حيث قال: "كانت المحامية المهتمة بحقوق المرأة، عزة سليمان، تتناول طعامها مع أسرتها في مقهى ريش في ميدان طلعت حرب، ومن مكانها شهدت واقعة إطلاق الخرطوش على المرحومة شيماء الصباغ".
وتابع: "كمواطن يحترم القانون، ويرغب في مساعدة العدالة، توجهت إلى نيابة قصر النيل لتدلي بشهادتها. استمع إليها وكيل النائب العام ثم وجه إليها اتهاما بالتظاهر دون ترخيص، وتعطيل المرور، وتكدير الأمر والسكينة العامة، وأفرج عنها بضمان محل إقامتها! وهكذا تحولت المحامية المعروفة من شاهد على جريمة، إلى فاعل لعدد من الجرائم تصل عقوباتها إلى السجن"، بحسب البرعي.
الدليل الذي استندت إليه النيابة العامة في توجيه الاتهام كان هو تحريات الشرطة.. "الشرطة ذاتها التي كانت عزة سليمان قد ذهبت لتشهد على سوء أداء بعض أفرادها، وعنفهم المفرط وارتكابهم لجريمة قتل بدم بارد".
وقال البرعي: "تهمة القتل الخطأ التي أحيل بها ضابط الشرطة إلى المحاكمة في جريمة اغتيال شيماء الصباغ، عقوبتها أقل من العقوبة التي ستواجهها عزة سليمان، فيما لو قضت المحكمة عليها بالإدانة".
وتساءل البرعي: "ما الرسالة التي يرغب القضاء في توجيهها إلى من يريد الإدلاء بشهادته على جريمة ارتكبها أحد أصحاب النفوذ، تعذيبا كانت أو فسادا أو حتى قتل؟".
وأضاف في قصة أخرى: "قدم المستشار الجليل رئيس نادي القضاة بلاغا إلى مجلس القضاء الأعلى يطالبه فيها بتحريك الدعوى العمومية ضد المحامي الأستاذ منتصر الزيات، بتهمة إهانة القضاء وإذاعة بيانات من شأنها تكدير السلم العام".
وكان المحامي الكبير يترافع أمام المحكمة في قضية سياسية. وحينها وجه اللوم إلى القاضي الذي أجرى التحقيقات التي تمت في القضية بعبارات خشنة قاسية.
وعلّق بالقول إن "القانون يضفي حمايته على المحامي أثناء قيامه بواجبه في الدفاع عن موكله.. استعمال حق الدفاع سبب لإباحة جريمة القذف".
واستطرد البرعي: "لا أعرف ما سينتهي إليه مصير بلاغ نادي القضاة، ومتى سيتحول منتصر الزيات من محام عن متهم إلى متهم يبحث له عن محام؟! ما أعرفه أنه خلال الربع الأول من هذا العام أحيل عدد من المحامين بينهم من هم معروفون إلى النيابه بتهمة إهانة القضاء!".
وأضاف: "السبت الماضي أفرجت محكمة شمال القاهرة دون ضمان عن الضابطين المتهمين بتعذيب المحامي كريم حمدي حتى الموت، وفي الوقت ذاته فإن المصور الصحفي محمود أبوزيد (شوكان) محبوس احتياطيا منذ أكثر من 400 يوم دون أن يتم الإفراج عنه أو يوجه إليه اتهام.. شوكان ليس وحده.. هناك أعداد لا نعرفها تواجه المحنه ذاتها".
أخيرا، تساءل البرعي: "ما هي الرسالة التي يريد القضاء إرسالها إلى المجتمع، كيف نضمن المساواة بين المتهمين أيا كانوا؟ أسئلة ستظل معلقة في الهواء حتى يدرك الجميع أن العدل أساس الملك"، على حد قوله.
غضب حقوقي
من جهتها، استنكرت 58 منظمة وعدد من الشخصيات السياسية والعامة قرار نيابة قصر النيل بتحويل عدد من شهود العيان في قضية مقتل شيماء الصباغ، من قائمة شهود الإثبات في القضية إلى قوائم المتهمين، وتوجيه تُهم التظاهر والإخلال بالأمن والنظام العام لهم، بموجب أحكام قانون التظاهر رقم 107 لسنة 2013.
وأوضحت المنظمات أن النيابة وجهت اتهامات بخرق قانون التظاهر إلى 17 شخصا من شهود الإثبات في القضية، ومنهم عزة سليمان، المحامية بالنقض والإدارية العليا، رئيسة مجلس الأمناء لمؤسسة قضايا المرأة المصرية، ومصطفى عبدالعال، عضو حزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، بالإضافة إلى 14 متهما من حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، بالإضافة إلى الشهيدة شيماء الصباغ ذاتها، التي أسقطت عنها التهمة لوفاتها، وتحدد نظر القضية في جلسة السبت المقبل.