بورتريه

هل وقع الطلاق البائن بين الحكومة وإخوان الأردن؟ (بورتريه)

هل شاخت العلاقة بين "الإخوان" والنظام بعد نحو سبعين عامًا إلى هذا الحد؟ ـ عربي21
هل شاخت العلاقة بين "الإخوان" والنظام بعد نحو سبعين عامًا إلى هذا الحد؟ ـ عربي21
كان التحالف غير الرسمي الذي عقد بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام الأردني في الخمسينيات والستينيات وحتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، قائما على الحاجة المشتركة وعلى الضرورة التي تبيح المحظورات والمحرمات.

النظام احتاج إلى "الإخوان" لمواجهة الشيوعية والحركة الناصرية وتهديدات حزب البعث في دول الجوار سوريا والعراق. وحين كان النظام يريد التقارب مع سوريا بعد صعود الرئيس حافظ الأسد، كان يقصي "الإخوان" ويبعدهم عن المشهد، وحين كان يريد مناكفة دمشق كان يأتي بهم وبرئيس حكومة تبغضه دمشق.

"الإخوان" حموا النظام ومعهم العشائر والجيش، وكانوا يدًا له لا عليه، وتركهم النظام يعملون في الميدان الخيري أحيانا، وبالسياسة أحيانا أخرى، لكن ضمن الحد الأدنى من المكتسبات: وزير هنا ونائب هناك، أو عضو مجلس أعيان إن أمكن، ولا بأس بمدير أو أمين عام وزارة.

 لم يشتكِ " الإخوان" ولم يتذمر النظام

ولم تكن علاقة "الإخوان" بالنظام شهر عسل متواصل من الحب والغزل، فقد توترت العلاقات في بعض المفاصل، ومحطات الشد والجذب، بفعل عوامل الجذب الإقليمية. لكنها بقيت علاقة قائمة بفعل الحاجة.

وكان التقارب الأردني السوري، على سبيل المثال، في السبعينيات وفي منتصف الثمانينيات في عهد حكومات زيد الرفاعي الأربعة، جرحا غائرًا مس شغاف العلاقة بين النظام و"الإخوان".

"الإخوان" استثمروا المنابر وأشرطة الكاسيت والبيانات وممثليهم في مجلس النواب، لجلد الحكومات، والحكومات لم تسكت لهم هي الأخرى ولم تقصر معهم، فجلدتهم بطريقتها وفتحت أمامهم أقبية السجون وأغلقت أمامهم أبواب العمل.

النظام أمسك بشعرة معاوية مع "الإخوان"، فإذا شدّوا أرخى وإذا أرخوا شدّ.

وحين أعلنت الحكومة عن عودة الحياة البرلمانية في عام 1989، شارك فيها "الإخوان" تحت شعار "الإسلام هو الحل"، وحصدوا 22 مقعدا من أصل 60. المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الحالي الدكتور همام سعيد نفسه، فاز بمقعد عن منطقة صويلح بعمان.

 ثم إن "الإخوان" دخلوا في حكومة مضر بدران ونالوا حقائب وزارية، مثل "التربية" و"العدل "و"التنمية الاجتماعية". 

ومع دخول قانون الأحزاب حيز التطبيق، اتجه "الإخوان" إلى دخول التجربة بتأسيس حزب "جبهة العمل الإسلامي" كذراع سياسية للجماعة.

مؤتمر مدريد وأسلو واتفاقية وادي عربة بين الأردن و"إسرائيل"، شكّلت شرخًا وتباعدًا كبيرًا في العلاقة بين الطرفين، ودخل العنصر الفلسطيني عبر بوابة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ليفتح الجرح على اتساعه.

في بعض الأوقات، كان الغزل وكلمات الشوق والعتاب حاضرة في مشهد العلاقة، وفي أوقات أخرى كاد الطلاق البائن أن يقع.

الغاضبون من الجماعة والذين كانوا حتى وقت قريب أبناء الحركة الإسلامية والمنافحين عنها، تحول بعضهم إلى سوط يجلد به الجماعة التي كانت سترًا لهم وساترًا عليهم، وبعضهم خرج ليشكل حزبًا إسلاميا "أكثر اعتدالا"، وبعضهم ذهب وراء المنصب الرسمي.

الحكومة كانت ترسل رسائل لـ"الإخوان" عبر كتّابها أحيانا، وعبر صناديق الاقتراع والقوانين والتشريعات أحيانا أخرى. و"الإخوان" كانوا يرسلون الردود للحكومة أيضا عبر الصناديق، سواء كانت بالمشاركة أم بالمقاطعة.

الحكومة لم تكن  تريد "إخوانًا" منقسمين. ليس هذا في مصلحتها. وهي تحتاج إلى "الإخوان" في النهاية ليكبحوا جماح الجماعات المتطرفة، ولأنهم يشكلون وحدهم الواجهة الأكثر نضجا للإسلام السياسي.. و"الإخوان" يبحثون عن علاقة ساكنة وهادئة مع الحكومة حتى يوصلوا رسالتهم ويدعموا مكانتهم.

المصالح والشخصنة، وهي إعلامية في غالبها، قسمت "الإخوان" إلى صقور وحمائم وطريق ثالث، وقالت عنهم كلاما أكثر مما قاله مالك في الخمر.

والذين ارتدوا جلباب الثأر قسموا وشطروا الحمائم والصقور إلى شرق أردنيين وغرب أردنيين. ثم إنهم اتهموا "حماس" باختطاف "إخوان الأردن". وبالعكس، اتهموا "إخوان الأردن" بركوب موجة "حماس" وتلقي الأوامر من "إخوان فلسطين" (حماس).

"الإخوان" في جميع أنحاء العالم يشخصون القضية الفلسطينية بوصفها شأنا داخليا لهم مهما اختلفت بلدانهم، و"إخوان الأردن" شأنهم في ذلك شأن غيرهم من "الإخوان".. لماذا أصبحت علاقة "الإخوان" مع "حماس" مشكلة عند بعض النخب وبعض الإعلاميين وبعض "الإخوان" أيضا؟ المعنى في بطن الشاعر كما يقال!

ولم تأت رياح انتخابات "الإخوان" التي جرت في عام 2008 كما اشتهت سفن البعض من "الإخوان" وغير "الإخوان". وتجاوز" الإخوان" العاصفة التي مرت عليهم بسلام، وكانت النار بردًا وسلامًا على الدكتور همام سعيد المراقب العام الجديد للإخوان المسلمين وجماعته.

لم يكن همام سعيد، المولود في كفر راعي قرب جنين بالضفة الغربية عام 1944، والحاصل على البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من دمشق عام 1965، والماجستير والدكتوراه في الحديث وعلومه من جامعة الأزهر عام 1974 وعام 1977، يحمل رسائل إلى أحد، ولم يتلق رسائل من أحد.. ومنذ أن تسلم الجماعة وهو عرضة لسهام النقد والتجريح من قبل كتاب الإعلام الرسمي وكتاب كارهين لـ"الإخوان"، عن قناعة ربما.

فوزر همام سعيد المفاجئ والكاسح، وما جرى آنذاك داخل البيت "الإخواني"، فسر كنوع من تداول المسؤوليات والسلطة، وانتقال جندي إلى الواجهة وانزواء جندي آخر إلى الخلف قليلا ليعود، ربما في ما بعد، للواجهة. لكن الأيام كانت حبلى بمزيد من القنابل الموقوتة.

فقد تطاير الكلام والشرار في الأيام التي أعقبت قرار "الإخوان" مقاطعة الانتخابات النيابية التي جرت في عام 2013، وبدأت العلاقة مع الدولة ومع النظام تأخذ منحنى صداميا وصل إلى حدّ التخوين والاتهام بالعمالة والأجندات الخارجية. وكان الأمر أكثر وضوحا مع الانقلاب في مصر ضد الرئيس محمد مرسي وحظر جماعة "الإخوان" هناك، فظهرت مبادرة "زمزم" التي أعلنها بعض أعضاء الجماعة لـ"إصلاح الإخوان".

وحين فشلت "زمزم" في إحداث أي حراك حقيقي داخل "الإخوان"، وتمسكت القيادة الحالية برئاسة همام سعيد بمواقفها، كان السيناريو الثاني وهو سحب البساط من تحت أقدام القيادة الحالية بتقديم طلب ترخيص لجمعية باسم"الإخوان المسلمين" المرخصة أصلا  من قبل، وهو ما كانت تنتظره الحكومة وكأنه رزق نزل عليها من السماء من غير دعاء.

في حالة الانقسام الحالية التي فرضتها الحكومة بقبول ترخيص جمعية جديدة مرخصة أصلا، يبرز اسم  عبدالمجيد الذنيبات المراقب العام السابق لـ"الإخوان"، الذي جلس في هذا الموقع في الفترة ما بين عامي 1994 و2006.

حديث الذنيبات عن الترخيص الجديد وطرح نفسه كبديل عن القيادة الحالية أثار الشكوك حول التوقيت، فهو كان الرجل الأول في الجماعة طيلة 12 عامًا.. كيف مارس مهامه في جمعية يرى الآن أنها غير قانونية وبحاجة إلى "شرعنة"؟!

الذنيبات، المولود في بلدة الجديدة بمحافظة الكرك جنوب الأردن عام 1945، رجل عصامي خرج من وسط زراعي فقير، انتسب إلى "الإخوان" وهو على مقاعد الدراسة الثانوية، وانتسب إلى كلية الحقوق بجامعة دمشق وتخرج منها عام 1969، وترشح لمجلس النواب في الانتخابات التكميلية عام 1984، بعد أن اتجه "الإخوان" نحو فلسفة جديدة تركز أكثر على معالجة القضايا العامة. وكاد أن يفوز بالمقعد لولا أن النتائج جاءت في النهاية لصالح مرشح آخر.

الذنيبات كان يصرح دائما بأن "الإخوان" يحتكمون لأمر واحد، هو الدعوة الإسلامية التي لها لوائح وأدبيات وقرارات تنسجم مع الشورى.

لغة الجماعة وخطابها منذ الخمسينيات كانت على نسق واحد لم يختلف. وإذا كانت فلسطين والقدس والمسجد الأقصى حاضرة في لغة "الإخوان" منذ أن تأسسوا، فهي أيضا حاضرة وركيزة أساسية في سياسة ولغة النظام الأردني منذ أكثر من نحو سبعين عاما.

"الإخوان" لم يشهدوا في تاريخهم انشقاقًا كبيرًا؛ قد يحدث أن يخرج شخص أو مجموعة أشخاص ولكن الانشقاقات الكبيرة لم تحدث عندهم، ونتائج الأزمة الحالية تبدو في علم الغيب.. فأساس "الإخوان" هو الشعب والقواعد، وهو الذي يقرر أين تتجه الجماعة.

هل شاخت العلاقة بين "الإخوان" والنظام بعد نحو سبعين عامًا إلى هذا الحد؟ 
التعليقات (1)
رابح
السبت، 07-03-2015 08:38 م
لم تشخ و لا هم يحزنون القضية ببساطتها ان الاخوان كانوا في مرحلة الدعوة و التكوين و التعلم وفق مخطط معلوم في ظروف محلية و اقليمية و عالمية خاصة بسلمية و اعتدال يشهد له الجميع المخطط في مراحله الاخيرة الهدف معلوم الاستدمار الخارجي و الاستدمار الدخلي المتواطئ معه يعرفون جيدا الى اين تسير الامور فهم يلعبون اوراقهم كاملة مستغلين جهل الجاهلين و غرور المغترين و ما يحدث في الاردن جزء من تلك الاوراق