وصف تقرير نشره مركز "كارنيغي" قرار النظام السوري برفع
أسعار الخبز في المناطق التي يسيطر عليها بأنه تجاوز لـ"الخط الأحمر"، ورأى أن هذا القرار يشير إلى عمق مأزق نظام بشار الأسد.
وكان النظام السوري قد رفع الشهر الماضي سعر ربطة الخبز (8 أرغفة) من 25 ليرة إلى 35 ليرة (0.19 دولار)، بالتزامن مع رفع أسعار المحروقات. وهذه هي الزيادة الثانية في سعر ربطة الخبز خلال الأشهر السبعة الماضية، وذلك رغم النفي المتكرر من قبل مسؤولي النظام لـ"شائعات" زيادة الأسعار.
ورأى التقرير الذي نشره كارنيغي أنه "فيما توشك الحرب على دخول عامها الرابع، ربما يخسر نظام الأسد أحد الأسلحة التي لطالما عوّل عليها: الدعم الحكومي للخبز".
وقال التقرير: "تجاوز بشار الأسد مرة أخرى "الخط الأحمر" الذي كان النظام السوري قد أعلن أنه من الثوابت في مجال الدعم الحكومي للمواد الغذائية". وأضاف: "قد يشكّل هذا التغيير في السياسات الذي سبّب صدمة لعدد كبير من السوريين، فصلاً رئيساً في النزاع الذي استخدمت فيه الحكومة سياسة التجويع بالفعالية نفسها التي استعملت فيها البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية. ففي حين كان الغذاء أداة أساسية لاسترضاء السكان الموالين للنظام ومعاقبة المعارضة، تشير الزيادة في سعر الخبز إلى أن النظام يشعر بالوطأة جراء تراجع موارده".
ويوضح التقرير أنه "يمكن أن يشكّل الدعم الحكومي للخبز (وتأمين المواد الغذائية بأسعار رخيصة في شكل عام) محفّزاً قوياً للمدنيين لدفعهم نحو دعم الحكّام أو على الأقل الإذعان لهم. قبل النزاع، كان الخبز يشكّل نحو 40 في المئة من السعرات الحرارية التي تستهلكها الأسر السورية. وقد أدّى النقص في الموارد وارتفاع التضخم في الأعوام الثلاثة الماضية، إلى تفاقم اعتماد الفقراء على المواد الغذائية المدعومة من الحكومة".
ونظراً إلى قطع الإمدادات الغذائية عن المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار ونقل الجزء الأكبر من المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تحظى بموافقة الحكومة، تحوّل النظام "المصدر الموثوق الوحيد للغذاء الذي يشكّل مورداً أساسياً للبقاء على قيد الحياة".
وينقل التقرير عن أحد الناشطين في العاصمة دمشق الخاضعة لسيطرة النظام: "من النادر أن نجد فرناً لا يصطف الناس أمامه طوابير طويلة، لكن [الخبز] متوافر للجميع على الرغم من صعوبة الحصول عليه".
ويشير التقرير إلى أن "توزيع المواد الغذائية (أصبح) أداة يستخدمها النظام لاسترضاء المدنيين منهكي القوى، في حين يذكّرهم بأسلوب محنّك بالمنافع التي تترتب عن بسط الدولة سلطتها ونفوذها. لقد كان التناقض الصارخ في توافر المواد الغذائية بين الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة وتلك الخاضعة لسيطرة النظام، عاملاً أساسياً خلف الكثير من الانتصارات التي حقّقها النظام السوري" حسب توصف التقرير.
ويرى التقرير أن "الأزمة الراهنة أحدثت تحولاً في سلسلة التموين في قطاع الخبز السوري". ويضيف: "تسبّبت عمليات النهب الواسعة، مقرونةً بالهجمات المنتظمة على المستودعات من قوات النظام والمعارضة على السواء، بانخفاض حاد في قدرات التخزين والإنتاج. وفي هذا الإطار، يُقال إنه لم يتبقَّ سوى 40 مركزاً فقط من أصل 140 مركزاً لتجميع القمح كانت تعمل في البلاد قبل اندلاع الأزمة. كما أن المطاحن والمخابز المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد إما أغلقت أبوابها وإما تعمل بأقل من طاقتها بأشواط. وقد تسبّب الهبوط في قيمة الليرة السورية بارتفاع ثمن الواردات، مع الزيادة في كلفة الدعم للخبز".
وينبه التقرير إلى أن "أزمة
الوقود الحادة التي تشهدها
سوريا، وما يرافقها من زيادة في كلفة تصنيع الخبز، تتسبّب شيئاً فشيئاً بتراجع قدرة النظام على الحفاظ على الإعانات الحكومية".
ويضيف: "لقد أدّت الهجمات الجوية الأمريكية على مواقع إنتاج النفط الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في دير الزور، والمعروفة بأنها تؤمّن النفط للنظام، إلى حرمان الحكومة من موارد الطاقة، ويزيد من حدّة المشكلة انهيار البنية التحتية لقطاع الكهرباء، وعدم وصول ناقلات النفط بصورة منتظمة من العراق وإيران. كما أن الطلب المتزايد على التدفئة خلال فصل الشتاء القارس زاد من قساوة الظروف الناجمة عن النقص في الموارد، وتزامَن الارتفاع في سعر ربطة الخبز مع الزيادة في أسعار الديزل والغاز".
ويقول التقرير: "كان يمكن لما يُحكى عن اعتمادات مالية فتحتها روسيا وإيران لسوريا، وتبلغ قيمتها مجتمعةً 6.4 مليارات دولار أمريكي، أن تنقذ النظام السوري من اللجوء إلى مزيد من التقليصات في الإعانات الحكومية. بيد أن الهبوط في أسعار النفط العالمية قد يتسبّب بعرقلة هذه الخطة. ففيما يعجز الأفرقاء المتناحرون عن حسم الحرب، ربما أرغم النقص في الحبوب والمحروقات -والخشية من أن تقوم إيران وروسيا بخفض الدعم المادّي- الحكومة على اتخاذ تدابير جذرية تحسّباً لما قد يحدث في المدى الطويل".
ويخلص التقرير إلى أنه "بالنسبة إلى المراقب العادي، قد لا يبدو ارتفاع سعر ربطة الخبز 0.06 دولار أمريكي مدعاةً للقلق. لكن في سياق الأهمية الغذائية والسياسية والرمزية التي يرتديها الخبز في سوريا، هذه الزيادة كبيرة جداً. وانهيار الدعم الحكومي للخبز الذي كان يُعتبَر محورياً جداً في عقد الحكومة الاجتماعي، يؤشّر إلى أن النظام في مأزق شديد. الخط الأحمر لم يعد الخبز، بل مجرد البقاء على قيد الحياة".
وكان الأسد قد أصدر مرسوماً بمنح العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين بعقود سنوية تعويضا قدره 4000 ليرة سورية (22 دولار) شهريا، بعد يوم واحد من قرار حكومته برفع أسعار عدد من السلع الأساسية بنسب تتراوح بين 36 إلى 56 في المئة، بما في ذلك الوقود وسعر ربطة الخبز (بارتفاع 40 في المئة).