ملفات وتقارير

حرق الكساسبة يشعل جدلا فقهيا واسعا حول مشروعيته

الدولة الإسلامية: حرق الكساسبة من إقامة الحدود والجهاد المشروع ـ أرشيفية
الدولة الإسلامية: حرق الكساسبة من إقامة الحدود والجهاد المشروع ـ أرشيفية
بعد انتشار فيديو حرق الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، الذي نشرته مؤسسة الفرقان، التابعة للدولة الإسلامية، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي ليلة أمس بجدل فقهي حول مشروعية حرق الأسير في الإسلام.

وتناقلت مواقع إخبارية عديدة، فتوى صادرة عن هيئة البحوث والإفتاء في الدولة الإسلامية، أجابت فيه عن سؤال: "ما حكم تحريق الكافر حتى يموت؟".

فتوى الدولة عزت إلى "الأحناف والشافعية جواز التحريق مطلقا"، وحملهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم "وإن النار لا يُعذب بها إلا الله"، على التواضع.

ونقلت الفتوى عن الحافظ ابن حجر العسقلاني قوله: "يدل على جواز التحريم فعل الصحابة، وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد المحمى، وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردة".

وأشارت إلى ذهاب "بعض أهل العلم بأن التحريق بالنار محرم في الأصل، غير أنه يجوز عند المماثلة، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام بالعرنيين، حيث سمل أعينهم بالنار – مماثلة – كما في الصحيح، وهذا أظهر الأقوال جمعا بين الأدلة".

من جانبه أكدّ أستاذ الشريعة في جامعة مؤتة الأردنية الدكتور محمد سعيد حوى، أن الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة، تنهى عن التحريق مطلقا، والنهي فيها للتحريم، كما في حديث البخاري عن أبي هريرة قال: "بعثنا رسول الله في بعث فقال: إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار، ثم قال حين أردنا الخروج: "إني أمرتكم أن تُحرِّقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما".

وتساءل حوّى في حديثه لـ"عربي21" بعد إيراده لحديث البخاري السابق: أمام هذا النص الصريح في دلالته على النهي عن التحريق، الذي لا يمكن حمله إلا على التحريم، هل يبقى كلام لأحد كائنا من كان؟ وهل تقوى كل الأقوال، سواء أقوال صحابة أم غيرهم على معارضة هذا النص الصحيح الصريح؟

ووصف حوّى منهجية الاستدلال في فتوى التنظيم بالانتقائية، والوقوع في الخيانة العلمية، لأنها نقلت بعض الأقوال التي تخدم فعلهم الشنيع، وتغاضت عن الأقوال التي تحرم التحريق، فلماذا نقلوا قول المهلب ولم ينقلوا قول ابن المنير الذي أورده ابن حجر في ذات الموضع الذي نقلوا عنه في فتواهم؟

وبحسب الدكتور حوّى فإن ابن المنير (أحد شراح صحيح البخاري) رد الاحتجاج بقصة العرنيين على جواز التحريق لأنها "كانت قصاصا أو منسوخة"، وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي آخر، وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة إلى ذلك إذا تعين طريقا للظفر بالعدو.

وخلص حوّى إلى القول إن الصحيح في الباب هو ما ذهب إليه ابن المنير في قوله: "وأما حديث الباب فظاهره النهي فيه للتحريم، وهو نسخ لأمره المتقدم سواء كان بوحي إليه أم اجتهاد منه..".

في السياق ذاته، أوضح الداعية الإسلامي الدكتور جمال الباشا، أنه "لا خلاف بين العلماء على مشروعية اجتهاد الإمام في التعامل مع أسير الحرب بأحد خيارات ثلاثة: المنّ أو الفداء أو القتل، بحسب المصلحة، لا لهوى النفس".

وأضاف الباشا: "ولا خلاف بين العلماء كذلك على مشروعية القصاص بالمثل، وأن القاتل يُقتل بالكيفية ذاتها التي قتل بها".

وردا على سؤال "عربي21" حول خلاف العلماء في جواز التحريق، قال الباشا: "لا أريد أن أخوض في هذا الخلاف، فهو قديم ومشهور، وكل من قرأ كتابا في السياسة الشرعية يعلم هذا الخلاف، ولكن عند التحقيق تجد أن الراجح هو المنع منه لصراحة الأدلة فيه".

وركز الباشا في تعقيبه على أن القضية الكبرى تكمن "بالنظر إلى عواقب الأمور ومآلات الأفعال، والتي ينبغي أن تصب في مصلحة الدين والأمة، وإلا فإن الفعل لن يكون مشروعا وإن في كان في أصله كذلك".

وأوضح الباشا أن الشريعة "تأخذ بعين الاعتبار (ماذا يتحدث الناس)؟ مستشهدا بنهي الرسول عليه الصلاة والسلام عن قتل المنافقين، مع شدة خطرهم وتأليبهم على الإسلام ونبي الإسلام، وتآمرهم مع اليهود والمشركين، حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، فتنفر القبائل عن الدعوة.

وتساءل الباشا في ظل فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد التي اعتبرها الشارع في كل الأحكام على الإطلاق: ما هي المصلحة من قتل الطيار الكساسبة حرقا؟ فإن ذكروا بعض المصالح وفق فهمهم، فماذا سيترتب على ذلك من مفاسد تضر بسمعة الدين والجهاد والدعوة، بل ومشروع الخلافة المنتظر؟
وأضاف الباشا: "لكي نعلم حجم الكارثة علينا أن نسأل أنفسنا: من أسعد الناس بهذا الخبر اليوم؟ مجيبا بقوله: "في اعتقادي هم كل الطغاة الباحثين عن مزيد من المبررات والذرائع لقتل شعوبهم الحرة، وعلى رأسهم أبناء الحركات الإسلامية والجهادية".

واستطرد الباشا في بيانه للمستفيدين من الكارثة بأنه "فرح بها كل أعداء المشروع الإسلامي الإصلاحي المعتدل، فقد جاءهم حدث اليوم بالمجان، ليقولوا لشعوبهم إن البديل لكم عنا هم هؤلاء الهمج الرعاع المتوحشون، وفي الوقت نفسه يقولون للنظام العالمي وقادته: لا غنى لكم عنا".
 
وتساءل الباشا بحسرة: "بكم يا ترى سيشتري بشار مثل هذا الخبر؟ ومثله حسن نصر الله وقاسم سليماني، والشيعة في العراق، والحوثي في اليمن، والسيسي الذي يحرض أنصاره على الثأر من الإسلاميين؟".

تجدر الإشارة إلى أن الداعية السعودي الدكتور سلمان العودة كتب عبر "تويتر" تعليقا على حرق الطيار الكساسبة قال فيه: "التحريق جريمة نكراء يرفضها الشرع أيّا تكن أسبابها، وهو مرفوض سواء وقع على فرد أم جماعة أم شعب، ولا يعذب بالنار إلا الله".

يبقى أن استدعاء تنظيم الدولة الإسلامية لكلام ابن تيمية، يضع العلماء والفقهاء أمام تحدي غربلة التراث الفقهي للمسلمين، وهو ما يتطلب جرأة علمية تنزل كلام الأئمة واجتهاداتهم منزلة الإنتاج الفقهي المحكوم ببشريته وظروفه التاريخية، ومحاربة تلك النزعة الخطيرة المتمثلة بتعظيم التمركز حول مقولات ابن تيمية، التي تفوق في كثير من الأحيان تعظيمها للنصوص الشرعية الأصلية.
 

التعليقات (9)
jamila
الخميس، 19-02-2015 08:59 م
عقاب بالمثل
م حسان النجار
السبت، 07-02-2015 06:20 م
لا حول ولا قوة إلا بالله
حسن
السبت، 07-02-2015 04:49 م
للاسف يوما بعد يوم نكتشف اشياء في ديننا اصبحت تولمنا ولانجد لها اجابات امام الاديان الاخرى
الارهابي
السبت، 07-02-2015 01:59 م
عيدة مختار قسوة الصاروخ و القنابل التي اطلقت من الطائرة التي تصل درجة حرارته 4000 درجة و تردم العائلة بأكملها؟ هل الاسلام يأخذ بالراي؟ مذا لو ردم الكساسبة اطفالك و حرقهم؟
عايده مختار
الخميس، 05-02-2015 10:02 م
? يمكن يكون في الدنيا بشر بالقسوه دي .ومافيش دين أبدا يقول كده.