مقالات مختارة

«واجبنا» و«سفهاء الجهاد» و…تأديب فرنسا

بسام بدارين
1300x600
1300x600
لا يمكن الرهان عند اي تحليل سياسي على القاعدة التي تكتفي بـ «تعريب أو أسلمة» التطرف والإرهاب سواء ذلك الذي يعبر عن نفسه بمنطقة الشرق الأوسط بصورة مغرقة في البشاعة أو الذي يمتد للعبث بحياة الآخرين في الغرب من قبل أشخاص يرفعون شعار أسلمة العالم الغربي بدون الإلتزام بأسلمة مجتمعاتهم أو حتى عائلاتهم.

نؤمن مجددا بأن الإرهاب ليس إسلاميا ولا يمكنه أن يكون عربيا بمطلق الأحوال.

لكن العرب والمسلمين في الكثير من الأحيان كانوا ضحاياه ودفعوا ثمنه عندما يتعلق الأمر بجيوش الإحتلال الغربي للبلدان العربية أو بممارسات القتل الوحشية المنظمة التي تمارسها عصابات الجيش الإسرائيلي أو عندما يتعلق بالإصرار الغريب عند مناقشة ظاهرة التطرف على عزل العامل الإسرائيلي أولا وثنائية الإستبداد والتطرف ثانيا.

عمليا حتى منطق المحاججة بهذا المعنى ينبغي أن لا يبرر العديد من الأفعال القبيحة جدا التي تركب في منطقتنا أو في الدول الغربية بإسم المسلمين فهي أفعال لا زالت تستهدف الإسلام الحقيقي ولا يمكنها ان تعبر إلا عن تفكير شاذ لا يحظى بأي توافق أو إجماع من عامة الناس.

شخصيا لا أعرف على اي أساس يفكر دانمركي من أصل تونسي مثلا بإقامة نظام خلافة في كوبنهاغن بدلا من الإنطلاق من أسلمة بلاده ودفعها في إطار الفائض القيمي الأخلاقي ولا أعرف من بصورة محددة يحرك الباكستاني او الأردني البريطاني في شوارع لندن ليطالب بإقامة حدود الإسلام في مجتمع متعدد الديانات.

أغلب التقدير ان ظواهر التطرف مصنعة في الكثير من الأقبية الغربية نفسها خصوصا في مستوى الإستخبارات التي لا يمكن رصدها أو حتى محاسبتها في اعتى الديمقراطيات وأي «تشويه « في شخصية مسلم يقيم في اوروبا مثلا لا يمكنه أن يكون إلا ثمرة لأحداث وترهات وغرائب حصلت في الحضن الأوروبي وليس في أي مكان آخر.

عبر وزير الخارجية النمساوي مؤخرا عن هذه المفارقة وهو يتحدث عن خمسة آلاف جهادي غربي لابد من الإحتراز لعودتهم المحتملة ويتواجدون الأن في سوريا والعراق.

وهي مفارقة تعني على أقل تقدير أن الغرب الذي يسمح لبعض منابره بإهانة الإسلام والمسلمين تحت بند «حريات التعبير» يشارك المتطرفين في العالمين العربي والإسلامي في ظاهرة الإرهاب الذي بوضوح لم يعد يميز إطلاقا بين الناس على أساس الأعراق والأديان والأجناس.

عدد العرب والمسلمين الذين قطعت رؤوسهم في العراق وسوريا من السنة والشيعة يفوق بما لا يقارن عدد ضحايا نفس الممارسة الهمجية من الأجانب وغير المسلمين والفارق كان أن الضحية الأجنبي يحظى بإهتمام الإعلام خلافا للمساكين الذين قتلوا او قطعت رؤوسهم لأسباب تافهة جدا مثل إختلاف الرأي او الإخفاق في تعداد عدد ركعات الصلاة أو مشاهدة مباراة لكرة القدم ضمن مسلسل قطع الرؤوس المرعب الذي يربطه حتى الشيخ أبومحمد المقدسي بما سماه أمامي شخصيا بـ«سفهاء التنظيمات الجهادية».

لذلك يبدو الموقف في مستوى الألتباس عندما نتحدث نحن العرب عن واجب الأمة الإسلامية في التصدي للأرهابيين او المتطرفين العرب دون الإنتباه لدور ثنائية الفساد والإستبداد أو لدور إسرائيل في صناعة ظاهرة التشدد بكل تعبيراتها.

كما يبدو الموقف نفسه منقوصا ونحن نتحدث عن «واجبنا» في التصدي للمتشددين من «أولادنا» الذين تم تفريخ مفاصلهم ورموزهم في أجهزة الأمن الغربية والأمريكية أو الذين تدعمهم دول وقوى إقليمية ويتم تمكينهم من تجارة نفطية غير شرعية من الواضح أن بعض الدول أو بعض جنرالات الحرب والجثث مستفيدون منها.

الكلام عن «واجبنا» مهم وأخلاقي ونبيل فنحن قبل غيرنا ضحايا هذا الجنون وملايين المسلمين الذين يقيمون بالغرب عند مصالحهم أو لأهداف العلم والعمل والتعلم يدفعون اليوم ثمن شخص ما في جهة متطرفة ما قرر «تأديب فرنسا».

لكنه كلام لن يستقيم ما لم نضبط الإيقاع الإستخباراتي والسياسي الغربي الذي يدعم إحتلال وتدمير العراق أودولة مارقة تمارس الإرهاب المنظم والعربدة يوميا مثل إسرائيل.

ولن يستقيم ما لم نقل بوضوح للغرب بأن القيام بواجبنا في الرد على نظرية «تأديب فرنسا» يتطلب قبل كل شيء التوثق من أن المؤسسة الفرنسية ستتوقف عن «رعاية وتغذية الإرهاب» وستطلق في العلن حملتها بشفافية في هذا الإتجاه توازي الشفافية المستعملة عند تبرير إستهداف المسلمين في الغرب مع العلم بأن الإستنكار لا يكفي للتنديد بالعملية العبثية الإجرامية التي حصلت في باريس دون إعفاء دعاة الحرية الغربية من مسؤولية أنها لا تشمل بكل الأحوال الموافقة على المساس بمقدسات الآخرين الدينية والإجتماعية.

نتفق مع تشخيص شخصية سياسية خبيرة من وزن طاهر المصري عندما يسأل :حسنا سنقوم بواجبنا لكن هل لدينا آلية نقنع فيها الأقبية الغربية بالتوقف عن العبث بالمجانين منا والتوقف عن إستنساخ وتفريخ الموتورين المتشددين؟



(نقلا عن صحيفة القدس العربي)
التعليقات (0)