الشرق الأوسط أو الشرق الأدنى المنطقة الأكثر توترا في العالم، الحروب والحروب الأهلية والصراعات الطائفية والتجاذبات الإقليمية كلها بيئة سياسية متحركة وملتهبة تعصف بالمنطقة.
(1) أربعة مشاريع
تتجاذب منطقة الشرق الأوسط أربعة مشاريع ولكل منها أهدافه وبواعثه مشاريع في حالة صراع مستمر ، عدم الاستقرار الذي تعيشه تلك المشاريع في المنطقة يزيد من التهاب هذه البقعة الجغرافية وتقلبها المستمر.
المشروع الأمريكي الصهيوني: إن صح الحديث يمكن القول إنه المشروع الأمريكي الغربي في المنطقة الذي يسعى للسيطرة على منابع النفط وتأمين الطاقة هذه السلعة المهمة في سير الحياة الغربية ونموها ، مشروع رأس الحربة به الكيان الصهيوني إذ إن الغرب يتعامل مع الكيان الصهيوني كوسيلة من وسائل سيطرتهم على المنطقة لا هدفا بحد ذاته حتى إن المفاعل النووي الإسرائيلي الذي دعم من أوروبا وأمريكا لم يقمه الغرب دعما لإسرائيل في مواجهة جيرانهم العرب بقدر ما كان هذا المشروع إفرازا من إفرازات الحرب الباردة في القرن الماضي بين الغرب والاتحاد السوفيتي ، مشروع يمتلك القوة الاقتصادية والعسكرية ويتكئ على أنظمة تحكم المنطقة ويقيمون علاقات معها على مبدأ تبادل المصالح.
المشروع الإيراني: ما إن قامت الثورة الإسلامية في عام 1979 حتى أصبح لإيران مشروع مستقل في المنطقة تريد تحقيقه بعد أن كانت تعتبرها جزءا من المشروع الأمريكي في المنطقة إذ كانت تمثل للغرب شرطي المنطقة أيام الشاه ، الثورة قلبت المشهد وأصبح لإيران مشروع مناهض ومناقض للمشروع الغربي في المنطقة يتنازع المصالح معه.
المشروع الإيراني استخدم القوة الناعمة في بداية نشأته إذ ظهر بمظهر المنسجم مع مصالح الشعوب العربية والإسلامية والمناهض للمشروع الغربي والمعادي للكيان الصهيوني إلا أن هذا المشروع استبدل وسائله في مرحلة موجة الربيع العربي فاستخدم القوة الخشنة تحت غطاء طائفي في إحكام سيطرته على المنطقة بعد أن شعر بأن هناك مشروعا سنيا بدأ يطل برأسه عمل على إجهاضه بدل أن يتعاون معه .
المشروع التركي: مشروع بدأت معالمه تظهر في المنطقة من خلال صعود حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة الرجب طيب اوردغان بعد أن كانت عيون الدولة التركية تتطلع أن تكون جزء من العالم الغربي مشروع اقرب إلى المشروع الحضاري الغير توسعي بالمعنى التقليدي إذ أنه يعمتد على أن يكون نموذج متقدم حضاريا في المنطقة ويريد أن يتمدد اقتصاديا في ذات الوقت تبريد جميع جبهات الخلاف السياسي أو ما يعرف بصفر النزاعات مثلت مرحلة الربيع العربي فرصة تاريخية لهذا المشروع ، إلا انه دخل في دوامة الصراعات بعد موجة الثورات المضادة .
مشروع الشعوب أو مشروع الربيع العربي مشروع قد يبدو انه تعثر في بداية ميلاده مشروع شعبي غير مؤدلج كان ينظر إلى إخراج العالم العربي من مربع الدونية التي يعيشها باعتباره حالة نشاز بشرية يجب آن تنتهي ، مشروع ولد وهو ينظر لحكم الشعوب ودمقرطتها وحريتها واستقلال إرادتها واستثمار مواردها لتساهم في بناء الحضارة الإنسانية وتقدم شيء للتاريخ العربي الحديث .
(2) اغتيال مبكر
يبدو أن جميع المشاريع الأجنبية التي تتجاذب المنطقة العربية باستثناء المشروع التركي وجدت في الربيع العربي المشروع الشعبي القادم على مبادئ الإنسانية الحديثة خصم وخطر يهدد مصالحهم ونفوذهم في المنطقة فجاء الدعم للثورات المضادة مبكرا للقضاء على أي فرصة يمكن أن تمتلكها الشعوب في إدارة دفة حياتها .
المشروع الأمريكي يبدو انه انقسم على نفسه في مسالة مشروع الربيع العربي أو صعود المشروع الشعبي فركب الموجة وحاول التعايش معها في حين أن الجانب الصهيوني الذي يمثل رأس الحربة لهذا المشروع لم يهضم هذا الطالع الجديد ونصب له شراك الوقيعة مبكرا وعمل على إعادة العجلة إلى الوراء .
جاء اغتيال المشروع العربي في أول حلقاته من أخر محطة من محطات الربيع العربي على يد إيران في سوريا إذ قامت إيران وبشكل فج وصريح على معاداة هذا المشروع وقتله في المناطق التي تسيطر عليها فأحبطت ربيع الشعب السوري أولا وعادت مطالب الشعب العراقي وقضت على المشروع اليميني مشروع كان على أعتاب تحقيق أهدافه أبان انتهاء المرحلة الانتقالية التي كان يعيشها اليمن فعملت إيران على تعميق النفس الطائفي آذ اعتبرته الحالة الوحيدة التي يمكن وقف حالة الهياج الشعبي المتطلع للحرية والديمقراطية وحكم نفسه بعد أن كانت تشجع الربيع العربي في المناطق التي تعتبر أماكن لنفوذ المشروع الأمريكي والصهيوني.
الجانب الأمريكي والغربي وبضغط من الجانب الاسرئيلي وبتنكر للمبادئ التي ينادي بها غض الطرف على الثورة المضادة التي جرت في مصر وما جرى بعد ذلك في ليبيا وتونس دعم الواقع الذي أرادته قوى الثورة المضادة من طرف خفي في حين أن التصريحات المعلنة بعدم الانحياز لأي طرف ضد طرف مع تفلتات من الساسة الغربيين بين الحين والأخر بان ما يجري هو تصحيح لمسار ثورات الشعوب العربية كما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي بخصوص مصر .
المشروع التركي ظهر منزعجا ومرتبكا من مد الثورات المضادة في مناطق الربيع العربي فتوترت علاقاته في المنطقة مع الجانب المصري والإسرائيلي والإيراني وانحاز بشكل مطلق لثورات الربيع العربي في جميع البلدان ثورات كان يرى فيها الباب الرئيسي لتحقيق مشروعه في المنطقة ببناء حالة اقتصادية سياسية شرق أوسطية مؤثرة والعمل معا لنهضة شعوب المنطقة بما يحقق مصالح الجميع .
كل تلك التجاذبات أظهرت حالة من اللامنطق في الصراعات التي تتجاذب المنطقة وتضارب المصالح بين كل تلك المشاريع ، إلا أن الجميع تعامل بذات الروح والجدية في وأد حالة التطرف التي نتجت عن عملية إجهاض الربيع العربي كونها تشكل خطر حقيقي وناجز على الجميع.
(3) لمن المستقبل ؟
الوقائع على الأرض والمجريات العادية للأمور تقول أن المستقبل القريب سيكون من حظ المشروع الأمريكي الصهيوني وبعض الحالة العربية الرسمية المتحالفة معه وخاصة في السنوات العشر المقبلة ،مشروع سيحاول إعادة إنتاج نفسه من جديد للعيش بذات البيئة التي كان يعيشها في تسعينيات القرن الماضي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ، مشروع يقول لنا التاريخ والوقائع انه سوف يتعرض لزلازل كبيرة في موجة الربيع العربي الثانية التي ستكون أشبه بحالة من التسونامي الثوري العنيف الذي سوف يضرب بلا رحمة فسنن الشعوب لا تصادم وإرادة التغيير الشعبي أعاصير تتقلب تحت أمواج المتغيرات السياسية .
المشروع الإيراني يبدو انه الخاسر الأكبر في المستقبل القريب والبعيد لطريقة إدارته لمرحلة الربيع العربي وما بعدها ، مشروع وان كان يملك على الأرض سيطرة حقيقية ومعتبرة على مناطق مهمة في العالم العربي في العراق وسوريا واليمن والجنوب اللبناني لكنه يبقى الخاسر الأكبر كونه يستخدم سلاح الطائفية الذي سترتد إليه نيرانه سريعا ويكتوي بها مما يجعل من بقاءه وتقدمه أمرا مستحيلا في المنطقة .
المشروع التركي يبدو انه المشروع الأكثر خسارة في المنطقة في الوقت الراهن إذا انه خسر الحليف المصري والتونسي سريعا ودخل في حالة صدام واضحة مع الجانب الإيراني وتوترت علاقاته بشكل كبير مع إسرائيل لكنه بكل تأكيد سيكون المشروع الأكثر ربحا وحظا في العقد القادم أو ما يسمى عقد التسونامي العربي القادم وكل ذلك مرهون ببقاء حزب العدالة أو المقربين منه في السلطة وصناعة القرار التركي ذلك ليس من باب التنبؤات والضرب بالمندل السياسي إذ أن جميع الأسباب التي دفعت لربيع عربي في عام 2011 ما زالت قائمة بل والأمور في أسوا مما كانت عليه مما يجعل وجود حالة ثورية ثانية وعنيفة في المنطقة ليس أكثر من مسالة وقت قد تقدر بعقد من الزمان تتأصل القناعة فيه لدى الشعوب بان موجتها الثورية الأولى كانت ناعمة و تم اختطافها وسرقتها تحت مسميات مختلفة .
بكل تأكيد أن مشروع الشعوب العربية أو موجة الربيع العربي الثاني ومن يتحالف معه سيكون هو المشروع الأوفر حظا في المنطقة فالتاريخ يعلمنا أن إرادة الشعوب لا تقهر وان المياه الغريبة لا تدير طواحين البلد وانه لن يشد السروج على ظهور المستقبل إلا أرادة الشعوب ومن يناصرها .
1
شارك
التعليقات (1)
رابح
السبت، 17-01-201507:52 م
ان شاء الله تعالى و ليعلم الجميع ان هذه سنة كونية وتلك الايام نداولها بين الناس و الله غالب على امره