مقالات مختارة

أحوال الحمقى وتظاهرات التحرير

علي حسين
1300x600
1300x600
كتب علي حسين: فقد العراقيون من ضمن جملة المفقودات في السنوات الأخيرة حاسة الفضول، ليس من عراقي يسأل ويتساءل حتى في سره: كم هم عدد المسؤولين الذين يحفظون علاقاتهم مع الناس؟ كم نائباً يعرف قضايا مواطنيه وكيف يعيشون؟ كم مسؤولاً يباسط الناس ويصغي إلى شكاواهم وآرائهم وانطباعاتهم؟

لا يتذكر المسؤول سوى نفسه يضرب حوله سياجاً دائرياً من الحرس والعيون، ولا يترك ثغرة في هذا الجدار العازل تدخل منها آراء الناس ومشاكلهم، منذ عقود تعلم المسؤولون أن الشعب لا يؤتمن وأن الناس حمقى في آرائها وأهوائها، والأهم حمقى في اختياراتها.

يكتب الفرنسي جلين بليك في كتابه المجادلة مع الحمقى "أن للحمقى أيضاً من يعجب بهم وهم الأكثر حمقاً منهم"، وقديماً خصص أحد التقاة " الجاحظ " كتاباً سرد فيه أخبار الحمقى والمغفلين وضع فيه وصفاً للحمق قال: "معنى الحمق والتغفيل هو الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب، بخلاف الجنون، فإنه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعاً، فالأحمق، سلوكه الطريق فاسد ورؤيته في الوصول إلى الغرض غير صحيحة".

قبل أن يصدر جاك دريدا كتابه "صيدلية أفلاطون" الذي خصص فيه فصلاً عن حمقى الفكر، كان البير كامو قد ألقى بمقولة في وجوه خصومه من "الحمقى أصحاب الأفواه الكبيرة والعقول الصغيرة يريدون أن ينتهي زمن الانتقادات والسّجال و الإبداع".

بالأمس خرج مجموعة من الشباب يطالبون بتنحي السيد نعيم عبعوب عن منصب أمين بغداد، وبدلاً من أن يستمع " معالي الأمين " لأصوات المنتقدين وملاحظاتهم، أخرج لهم لسانه وهو يقول ساخراً:" إن ما حصل اليوم لا يعد تظاهرة؛ لأن خروج 20 شخصاً من أهالي بغداد الذين يتجاوز تعدادهم العشرة ملايين نسمة يعد نجاحاً كبيراً لي، وعندما تحشّد مجموعة معروفة الأغراض والتوجهات لمدة شهر لإقامة تظاهرات فمن المؤكد أن يؤدي ذلك إلى فشلها فشلاً ذريعاً".

من المدهش ان نقارن معنى الحماقة في المعاجم والقواميس، ولدينا نماذج كثيرة تفوق ما جاء في لسان العرب الذي فسر الحُمُقَ بأنه قلّة عقل، وحقيقة الحُمق: وضع الشيء في غير موضعه.

ويبدو أن مفهوم الحماقة اليوم بدا يشمل الشعوب التي تسلم أمرها ليد مسؤولين فاقدي الصلاحية والأهلية، ويكفي أن نأخذ عينات من الحكومات العربية كي نرى حجم الاستخفاف بالإنسان، فشراء الذمم وتزوير إرادة الناس وسرقة المال العام والمحسوبية والرشوة، جعلت من الشعوب العربية لا تملك إرادتها وتعيش على هامش الحياة، وقد تكون إحدى دراسات المفكر المصري د. جلال أمين عن هذه المشاهد مدخلاً نموذجياً لفهم ما يجري في أنظمة " الحمقى ".

يقول أمين: إن الحكومات الفاشلة دائماً ما تعتبر الناس مذنبين إلى أن يبرهنوا عكس ذلك. هذا هو أول سطر في ثقافة الحكومات المتسلطة التي تسعى إلى إفراغ الإنسان من مضمونه الآدمي، وتحوله إلى مجرد صدى أو رد فعل لما تريده هي".

بناءً عليه ندعو الله أن يكون السيد الأمين صادقاً في حديثه، وأن تثبت الأيام أنّ أهالي بغداد مغرمون به، وأنّ المتظاهرين مجرد "ثلة" تريد النيل من المنجزات التي تحققت في بغداد منذ اكتشاف الصخرة وحتى ظهور نظرية الزرق ورق. 

أيها السادة نعيش اليوم في أحدث نموذج لمجتمعات الحمقى والمغفلين التي لبس فيها بعض المسؤولين عباءة الجنرال ودخنوا السيكار الكوبي، في الوقت الذي أقاموا فيه حروب الفساد وشيّدوا جمهورية الفشل.

(عن صحيفة المدى العراقية 10 كانون الثاني/ يناير 2015)
التعليقات (0)