صحافة دولية

الغارديان: هل نضجت ثورة السودان وحانت لحظة البشير؟

الغارديان: السودان متعطش للتغيير والثورة لا تزال امرا بعيدا - أ ف ب
الغارديان: السودان متعطش للتغيير والثورة لا تزال امرا بعيدا - أ ف ب
كتب آدم سميث مراسل صحيفة "الغارديان" البريطانية عن فرص التغيير في السودان، وتوقع بقاء الرئيس عمر أحمد البشير في السلطة. 

ويقول سميث إن خطط البشير للترشح في الانتخابات القادمة بعد 25 عاما من الحكم تجعل نجاحه متوقعا في ظل المعارضة المنقسمة وحملات القمع ضد قوى التغيير، ولعب البشير على التناقضات الإثنية والقبلية، التي تطبع واحدة من أكبر دول إفريقيا سكانا، وثاني بلد إفريقي من ناحية المساحة بعد انفصال الجنوب عنها. 

ويشير الكاتب إلى أن سيناريو بوركينا فاسو، حيث أجبرت الانتفاضة الرئيس بليس كومباري على الخروج من السلطة عندما حاول تمديد فترة حكمه. ولعل أفضل سيناريو هو زيمبامبوي، التي يحكمها الرجل العجوز موغابي (90 عاما) منذ أكثر من ثلاثة عقود. 

ويرى سميث أنه رغم تعطش السودانيين للتغيير  والأوضاع الاقتصادية المتدنية، من انفصال الجنوب الغني بالنفط وضغط العقوبات الأميركية، الذي خلف ملايين الجياع والعاطلين عن العمل، والعداء الواسع لعمر البشير، الرئيس الذي يقوم باعتقال الناشطين بانتظام، ويفرض الرقابة على الصحافيين، وهو رئيس متهم بالإبادة الجماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إلا أن فرص انتفاضة شعبية تظل بعيدة، رغم أن البلد متعطش للتغيير "والثورة في ثالث أكبر بلد في أفريقيا لا تزال امرا بعيدا".

ويجد الكاتب أن السبب يعود لسيطرة البشير على مفاصل الحياة الاقتصادية، وأنه يلقى دعما من الصين وإيران وقطر، ويقال إنه يعتمد بشكل متزايد على جهاز المخابرات والأمن وميليشيا الجنجويد؛ للحماية الشخصية التي جعلت اسمها مصدرا للرعب في المنطقة الغربية من دارفور. وقد دفعت سياسات الرئيس السوداني العديد من المثقفين وأصحاب الخبرات السودانية للهجرة خارج البلاد.

ويذكر التقرير أنه رغم نجاح الانقلابات العسكرية في السودان منذ عام 1964، ونجاح الثورة الشعبية بالإطاحة بحكم الديكتاتور جعفر نميري،  إلا أن لحظة البشير لم تحن بعد على ما يبدو. مع أن الكثير من السودانيين اعتقدوا مع بداية الربيع العربي عام 2011 أنها حانت. حيث ردت الدولة على التظاهرات بالقمع، وقتلت بدم بارد 200 متظاهر، واعتقلت أكثر من 800.

وتلفت "الغارديان" إلى أن غازي صلاح الدين العتباني، كان يعمل مستشارا للبشير حتى اختلافه معه بشأن التعامل مع الاحتجاج، حيث قال إن حالة من الذعر سادت في قلب الحكومة؛ خوفا من وصول الربيع العربي الى السودان، ووجد أن هذه المخاوف صحيحة، مبينا "لهذا السبب كان الرد قاسيا جدا، وأخذوا يرددون إذا حدثت انتفاضة أخرى فسوف تُسحق تماما"، وفي الوقت الحالي نجحت الحكومة في قمع الانتفاضة. 

ويقول العتباني للصحيفة "أعتقد أن الشعب السوداني لا يزال في حالة صدمة؛ بسبب عدد القتلى، إنهم خائفون، لا تزال الحادثة في ذاكرته، لا نتوقع انتفاضة كبيرة لغاية العامين المقبلين".

ويبين التقرير أن من أهم العوامل التي تمنع أو تؤخر الثورة هي الانقسامات العميقة القائمة على أسس عرقية وطائفية وسياسية، والتي قللت من احتمالية حدوث ثورة.

ويعتقد العتباني أن "الثورة لا تزال في طور التكوين، لم نتوصل الى حالة قومية، ونحن بحاجة لنتوحد على أشياء كثيرة، شهدنا انفصال الجنوب، ونظريا من الممكن أن تنفصل أجزاء أخرى، إنها لحظة حاسمة في تاريخنا: الحنكة السياسية هي ما ينقصنا".

ويؤكد الكاتب أنه رغم تقلص قبضة البشير على الحكم بسبب اتهام المحكمة الجنائية الدولية له بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور، إلا أنه، وهو البالغ من العمر(70 عاما)، عازم على التمسك بالسلطة بأي ثمن؛ لخشيته من قيام خليفته بتسليمه لمحكمة لاهاي.

أجواء الخوف

ويلاحظ سميث أجواء من الخوف واستعراضا للقوة، حيث يمكن رؤية الجنود النظاميين في المركبات العسكرية وهم يقومون بدوريات في الشوارع المغبرة في الخرطوم، أو وهم يعبرون الجسور على النيل، ويقول إن عصابات الجنجويد، وهم مجموعة من قطاع الطرق والمرتزقة، يقومون بالاستعراض في العاصمة. 

ويقارن العتباني قبضة البشير على الحكم بما يفعله الرئيس فلاديمير بوتين في روسيا بخلاف أن البشير، كما يقول، أقل "رهبة" من بوتين، وهو شخص "ودي، محبوب وسخي"، وقال إنه "قد لا يبدو ديكتاتورا، ولكنك إذا مكنت شخصا ما أكثر من اللازم، فإنه سوف يتحول الى الديكتاتورية، إذا قمت بإنشاء نظام رئاسي دون برلمان قوي، فإنك تعد حاكما مستبدا"، وفق الصحيفة.

ويذهب الكاتب إلى أن البعض في السودان يرون في العتباني البديل، الذي يجمع عليه الكثيرون، فهو طبيب سوداني يحمل دكتوراه في الكيمياء الحيوية السريرية من جامعة ساري في غيلدفورد، وأعلن عن تأسيس حزب منشق يدعو إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية، ومن المرجح أن ينال ثقة الغرب، ولكن شخصا يبلغ (63 عاما) من العمر قد لا يكون جذابا لجيل الشباب. ويعترف العتباني أنه تأخر في توجيه النقد "وددت لو  فعلت ذلك قبل عشرة اعوام. أنا الآن أنتقد بصوت أعلى بكثير من السابق".

ضعف الأحزاب

ويشير التقرير للحياة الحزبية السودانية، حيث تعيش جميع الأحزاب السياسية المعارضة حالة ضعف وانقسام، وهي بحاجة لإقناع الناس المتعبين بأنها توفر بديلا عن النظام يمكن الوثوق به.

وتنقل الصحيفة عن الدكتور أمين مكي مدني (72 عاما)، الذي يعمل محاميا في مجال حقوق الإنسان، ورئيس اتحاد منظمات المجتمع المدني السوداني، قوله "في الحقيقة  نحن بحاجة إلى توافق في الآراء حول الشخص الذي سيحل محل هذه الحكومة، وعلي الاعتراف أن لا بديل موجودا على الطاولة الآن". مضيفا أن "الناس لا يريدون الخروج الى الشارع ليذبحوا كالخراف، بل ان يخرجوا ويموتوا من أجل مستقبل أولادهم وأحفادهم، إنهم يحتاجون نوعا من الأمان وإلا فإنها ستكون مجرد مذابح بشعة".

وتعليقا على استعداد الشباب للذهاب إلى خطوط الجبهة الأمامية،  يورد التقرير إشارة طالبة علم النفس، البالغة من العمر (22 عاما)، واسمها سعدية الشيخ كودك إلى ندبة تحت حجابها البرتقالي، جاءت على شكل هرم فوق جبينها ناجمة عن هراوة،  قائلة إنها تعرضت لها من قبل جهاز المخابرات والأمن الوطني، خلال مظاهرة يوليو خارج البرلمان ضد الحرب في دارفور. 

وتضيف كودك، التي تنحدر من دارفور من أسرة من اللاجئين في شرق تشاد، "لقد حققوا معي وكنت لا أزال أنزف، لم تكن هناك أي مساعدة، سألوني عن قبيلتي ولماذا كنت ألتقط الصور، شعرت وكأني لا أنتمي إلى هذا المكان. كانوا يضربونني في وجهي بأيديهم، قالوا لي: وجودك مرفوض". 

وادعت كودك أنه تم إخراجها مع بقية الطالبات اللواتي كن معها من مكان إقامتهن في الجامعة في مدينة الخرطوم بالقوة الشهر الماضي، وقد تعرض العديد منهن للاعتقال والتعذيب والتحرش الجنسي والإهانة العنصرية من قوات الشرطة والأمن، بحسب التقرير.

وتقول كودك للصحيفة إن اثنين من أعمامها وأربعة من أبناء عمومتها قتلوا في دارفور، بينما أصيب شقيقها البالغ من العمر (18 عاما)، وعليه استخدام العصا الآن حتى يستطيع المشي، موضحة " أشعر بالغضب الشديد وأريد الانتقام لأعمامي وأبناء عمومتي، وأن أعمل شيئا لأفراد الأسرة الآخرين، الذين لا يزالون على قيد الحياة. إذا تغير النظام، يمكننا أن نجعل من السودان بلدا مسالما ودون عنصرية وتمييز".

ويوضح التقرير أن كودك تنتمي إلى حركة شعبية تدعى "قرفنا"، تشكلت قبل الانتخابات الماضية، واختارت البرتقالي لونا لها، وعلامة النصر رمزا لها، ونشرت إيمانها بالمقاومة السلمية من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية، فضلا عن الكتيبات العادية والكتابة على الجدران وأساور المعصم.

وينقل التقرير عن أحمد محمود (27 عاما)، وهو سينمائي ومغني راب سابق، قوله "في (قرفنا) نعتقد أن السخرية هي المفتاح لكسر الخوف، ونحن نسخر من النظام، ولكننا تعرضنا للكثير، حيث أن الحكومة منذ عام 2012 استهدفت حركتنا وتقريبا دمرتها تماما، وألقي القبض على العديد من أعضائنا، وتعرضوا للتعذيب وأجبروا على مغادرة البلاد".

ويعتقد محمود أن الانتفاضة ضرورية وحتمية في السودان، ولا بد أن تحدث. لأنه ليست هناك طريقة أخرى للتغيير، فكل شيء يتدهور بدءا من الحياة اليومية والتعليم والحياة الثقافية "لقد بدأت أولى خطواتي في الهندسة، والآن إما أن أذهب إلى السعودية أو أتعرف على شخص يساعدني في الحصول على وظيفة لائقة، يتخرج الطلاب وهم يحملون فكرة الانتقال إلى الخارج للعمل، حيث لا توجد وظائف هنا".

وتبين الصحيفة أنه وفقا لحزب الأمة المعارض،  فقد غادر السودان خلال الأربعة شهور الماضية أكثر من 4000 من أصحاب الكفاءات من المدرسين والأطباء. فيما يعيش الاقتصاد حالة احتضار، ويعاني من نقص حاد في العملة الصعبة اللازمة لدفع ثمن واردات الغذاء والدواء في أعقاب خسارة ثلاثة أرباع إنتاج النفط؛ بسبب استقلال جنوب السودان عام 2011. ويلقي الجميع باللائمة على البشير لفشله في تنويع الاقتصاد لتعويض خسائر النفط.

ويرى التقرير أن العقوبات التجارية الأميركية واضحة في غياب شركات عالمية مثل "أبل" و"جوجل" و"ماكدونالدز"، فيما بدأت بطاقات الائتمان بالتراجع أيضا، وأدى تراجعها إلى حد كبير لقطع السودان عن الأسواق المالية العالمية، ووصل التضخم الى نسبة 40%،  وأصبح كيلو لحم البقر يكلف الآن حوالي تسعة دولارات أميركية على الاقل. وتقول منظمة اليونيسيف إن أكثر من 4.100.000 مليون طفل هم بحاجة ماسة، وأكثر من نصف مليون طفل يعانون سوء تغذية، وتعد هذه الحالة واحدة من أكبر أزمات المجاعات التي حدثت في العالم. فيما لا يزال يتدفق اللاجئون من جنوب السودان.

ويتساءل الكاتب: هل نضجت الثورة؟

يجيب سميث أنه في بلد يعد الوصول فيه للحاسوب مهمة شاقة للتواصل مع الفقراء والمهمشين في بلد شاسع، حيث يستطيع واحد فقط من كل خمسة أشخاص استخدام الإنترنت، فالأمر لا يزال بعيدا.

ويختم الكاتب تقريره بالإشارة لقول دبلوماسي غربي إن الخرطوم تفتقر إلى ميدان عام كبير، يمكن أن يصبح نقطة تجمع، مثل ميدان تيانانمين أو ميدان التحرير في مصر. وسوف تكون مهمة شاقة لأي شخص توحيد العرب وغير العرب في المناطق الحضرية والريفية، والفصائل السياسية والطبقات الاجتماعية المختلفة المتنافسة تحت راية واحدة.
التعليقات (0)